زينب بنت الحارث، فجيء بها، فقيل لها: لم فعلت ما فعلت؟ قالت: أردت أن أقتلك، قتلت أبي وعمي وزوجي وأخي، ونلت من قومي ما نلت، قال: إن الله تعالى لم يكن ليمكنك من قتلي. قالت: قلت: إن كان نبياً فسيخبره الذراع، وإن كان ملكاً استرحنا منه، وقد استبان لي الآن أنك صادق، وأنا أشهد: وأشهد الحاضرين أني على دينك. أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله. قال الصحابة: اقتلها يا رسول الله. قال: لا. ما قتلت، وأسلمت، وأنا لا أنتقم لنفسي، وكوى رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه، على عرق يعرف العرب أنه يقي من السم يعرف بالأبهر، ليبطل مفعول ما عساه دخل إلى الجسم بواسطة اللعاب، وجاءه الخبر أن بشر بن البراء مات من السم، فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم المرأة إلى أولياء بشر، ليقتلوها قصاصاً فقتلوها، وظل صلى الله عليه وسلم بعد هذه الحادثة ثلاث سنين، كلما جاء موعدها من كل سنة، وجد ألماً حتى كان مرض موته صلى الله عليه وسلم، فأحس الألم، واستمر معه حتى مات صلى الله عليه وسلم.
-[المباحث العربية]-
(أن امرأة يهودية) واسمها زينب بنت الحارث، وزوجها سلام بن مشكم، وعمها يسار، وأخوها زبير. قتلوا جميعاً في غزوة خيبر.
(أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة) ظاهره أنها هي التي قدمت الشاة بنفسها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن الروايات الأخرى تفيد أنها المهدية الفاعلة المرسلة، فعند ابن إسحاق "لما اطمأن النبي صلى الله عليه وسلم، بعد فتح خيبر، أهدت له زينب بنت الحارث، امرأة سلام بن مشكم شاة مشوية، وكانت سألت: أي عضو من الشاة أحب إليه؟ قيل لها: الكتف والذراع، فأكثرت فيهما من السم" وعند البخاري "لما فتحت خيبر أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة فيها سم".
وفي رواية للبخاري "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع ما بقي في خيبر من يهود، فقال لهم: إني سائلكم عن شيء، فهل أنتم صادقوني عنه؟ فقالوا: نعم يا أبا القاسم، فقال هل جعلتم في هذه الشاة سماً؟ فقالوا: نعم. فقال: ما حملكم على ذلك؟ فقالوا: أردنا إن كنت كاذباً نستريح منك، وإن كنت نبياً لم يضرك" فقد نسب إليهم وضع السم في الشاة لرضاهم به، والأمر به وطلبه، والفاعلة المرأة، كما نسب إليها الإتيان بالشاة، مع أن الآتي بها غيرها، ففي الكلام مجاز مرسل، والسم بفتح السين وضمها وكسرها، مثلثة السين، قال النووي: والفتح أشهر.
(فأكل منها) في رواية "فتناول رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتف، فنهش منها، فلما ازدرد لقمته قال: إن الشاة تخبرني" يعني أنها مسمومة، وعند ابن إسحاق "فلما تناول الذراع لاك منها مضغة، ولم يسغها، وأكل معه بشر بن البراء بن معرور، فأساغ لقمته" وعند البيهقي "فقال لأصحابه: أمسكوا، فإنها مسمومة".
(فجيء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) معطوف على محذوف، أي فسأل عن الطاهية الفاعلة الحقيقية، فأخبر أنها امرأة، واسمها كذا، فطلب حضورها، فجيء بها إليه.