للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كيف يخفى عليك وأنت من أنت أمر الحيطة والحذر وعدم إلقاء النفس إلى التهلكة، نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله، فإن دخلنا فبقدر الله، وإن رجعنا فبقدر الله، أخبرني يا أبا عبيدة: لو نزلت بإبلك في أرض، يمينها خصبة، وشمالها جدبة، إن وجهت إبلك إلى الخصبة رعيت بقدر الله، وإن وجهتها إلى الجدبة لم ترع، وبقدر الله، ولم يكن أحد يحفظ الحديث الذي يقطع النزاع، والذي جاء به عبد الرحمن بن عوف في الليل، وكان حين المنازعة غائباً، فلما جاء في الليل قال لعمر وصحابته: إن عندي علماً من رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يفصل في القضية: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الطاعون عذاب بعثه الله على من كان قبلكم، فإذا

انتشر بأرض فلا يخرج منها من كان فيها، ولا يدخلها من كان خارجها.

ورجع أبو عبيدة وأصحابه إلى بلادهم بلاد الوباء، ورجع عمر بأصحابه إلى المدينة، وكان قدر الله، توفي في هذا الطاعون طاعون عمواس أبو عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل وامرأته وابنه، وخمسة وعشرون ألفاً، وفيهم من الصحابة كثيرون. رضي الله عنهم أجمعين.

-[المباحث العربية]-

(عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أنه سمعه يسأل أسامة بن زيد) ظاهر هذه الرواية أن سعد بن أبي وقاص هو الذي سأل أسامة عما سمع، وفي الرواية الرابعة "أن رجلاً سأل سعد بن أبي وقاص عن الطاعون؟ فأجاب أسامة الرجل، وفي الرواية السادسة "أن أسامة حدث سعداً" وفي ملحقها "أن أسامة وسعداً تحدثا" ولا تعارض، فالرجل سأل سعداً، يظنه العليم بالخبر، فتطوع أسامة بالجواب للرجل ولسعد، ووافق سعد أسامة وصدقه، فنسب إلى كل منهما الجواب، ونسب إلى سعد وإلى الرجل السؤال.

(ماذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطاعون)؟ أي في الدخول والخروج إلى ومن بلد الطاعون؟ والطاعون فاعول من الطعن، يقال: طعن فهو مطعون وطعين، أي أصابه الطاعون.

والطاعون وباء معين، لأن الوباء هو المرض الذي يعم الكثيرين من الناس في جهة من الجهات، مغاير للمعتاد، فالمعتاد أمراض مختلفة، أما الوباء فهو مرض واحد ينتشر بكثرة بشكل واحد، وأعراض واحدة، وقد كثر إطلاق الوباء على الطاعون، كأنهما مترادفان، حتى كانت عبارة اللغويين توهم ذلك. قال الخليل: الطاعون الوباء، والصحيح أن الوباء يعم أمراضاً، إن سميت طاعوناً فمن حيث شبهها به في الهلاك، فكل طاعون وباء، وليس كل وباء طاعوناً، وهذا التشابه في الإطلاق هو الذي جعل العلماء يطلقون الطاعون على أمراض ذات أعراض مختلفة، فصاحب النهاية يقول: الطاعون المرض العام، الذي ينسد له الهواء، وتفسد به الأمزجة والأبدان. وأبو بكر بن العربي يقول: الطاعون الوجع الغالب، الذي يطفئ الروح، كالذبيحة، سمي بذلك لعموم مصابه، وسرعة قتله، والداودي يقول: الطاعون حبة تخرج من الأرقاع، وفي كل طي من الجسد. والقاضي عياض يقول: الطاعون في الأصل القروح الخارجة في الجسد. وابن عبد البر يقول: الطاعون غدة، تخرج في المراق -أي في الأجزاء الرقيقة اللينة الجلد- والآباط، وقد تخرج في الأيدي، والأصابع وحيث شاء الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>