كما منح أجرين للسيد الذي يحسن معاملة أمته، يغذيها فيحسن غذاءها، ويعلمها فيحسن تعليمها، ويؤدبها فيحسن تأديبها، ثم يعتقها ويمن عليها بالحرية، ثم يتزوجها فيجعلها سيدة بيته، ولا شك أن العبد إذا أحسن معاملة سيده، وأن السيد إذا أحسن معاملة عبده أحسن كل منهما معاملة الآخرين في المجتمع من باب أولى، فيعم الأمة التواد والتعاطف والتراحم، وتصبح كالجسد الواحد إذا اشتكى عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
-[المباحث العربية]-
(إن من قبلنا) أي إن الذين عندنا وفي جهتنا، يقال: لي قبله كذا، بكسر القاف وفتح الباء، أي عنده.
(كالراكب بدنته) البدنة بفتح الباء والدال، من الإبل والبقر كالأضحية من الغنم، تهدى إلى مكة، فكما أن من أهدى بدنته إلى مكة لا يجوز له الرجوع فيها، فكذا من أعتق أمته لله لا يليق به أن يتزوجها، فإن زواجها شبيه بالعود فيها، كذا فهموا.
(ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين)"ثلاثة" مبتدأ، والتقدير ثلاثة رجال والجملة بعده خبر "ويؤتون" أي كل واحد منهم.
(رجل) هو بدل بعض من كل، أو بدل كل من كل إذا قصد المجموع، وكذا المرأة فذكر الرجل للتغليب.
(من أهل الكتاب) لفظ الكتاب عام، لكن المراد منه نوع خاص، وهو المنزل من عند الله، بل فرد خاص من المنزل من عند الله، وهو الإنجيل وحده، وقيل: المراد به الإنجيل والتوراة، وسيأتي له مزيد إيضاح في فقه الحديث.
(فآمن به واتبعه وصدقه) يحتمل أن يكون ثلاثتها مترادفات في المعنى المراد للتأكيد، ويحتمل أن المراد من الإيمان به التصديق برسالته، ومن اتباعه لزوم العمل بشريعته، ومن تصديقه تصديقه في كل ما جاء به من أحكام.
(فله أجران) هو تكرير لطول الكلام، وللاهتمام به.
(وعبد مملوك) وكذا الأمة المملوكة، وفائدة ذكر "مملوك" بعد "عبد" لرفع إبهام العبودية العامة لله، بإثبات أن المراد الرقاق.
(كانت له أمة) وفي رواية البخاري "كانت عنده وليد" وهي ما ولد من الإيماء في ملك الرجل، ثم أطلق ذلك على كل أمة.