قال النووي: قال القاضي عياض: كانت الكهانة في العرب ثلاثة أضرب:
أحدها: يكون للإنسان ولي من الجن، يخبره بما يسترقه من السمع من السماء، وهذا القسم بطل، حيث بعث الله نبينا صلى الله عليه وسلم.
الثاني: أن يخبر الجن وليه، بما يطرأ -مما هو موجود- أو يكون في أقطار الأرض، ويخبره بما خفي عنه، مما قرب أو بعد، وهذا لا يبعد وجوده. اهـ
أقول: بل يبعد وجوده، بل يستحيل، وإلا ما حفظ سر لإنسان، أو للدولة، أو أسئلة الامتحانات، مثلاً، ويكفي لإبطاله أن الجن لم يعرفوا موت سليمان، وهو ميت واقف، يقول تعالى {ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين} [سبأ: ١٤].
ثم قال القاضي: ونفت المعتزلة وبعض المتكلمين هذين الضربين، وأحالوهما، ولا استحالة في ذلك، ولا بعد في وجوده، لكنهم يصدقون ويكذبون، والنهي عن تصديقهم، والسماع منهم عام.
الثالث: المنجمون، وهذا الضرب يخلق الله تعالى فيه، لبعض الناس قوة ما، لكن الكذب فيه أغلب، ومن هذا الفن العرافة، وصاحبها عراف، وهو الذي يستدل على الأمور بأسباب ومقدمات، يدعي معرفته بها، وقد يعتضد بعض هذا الفن ببعض في ذلك، كالطرق والنجوم، وأسباب معتادة.
وهذه الأضرب كلها تسمى كهانة، وقد أكذبهم كلهم الشرع، ونهي عن تصديقهم، وإتيانهم. اهـ
والكهانة بفتح الكاف، ويجوز كسرها، ادعاء علم الغيب، والكاهن يطلق على العراف، والذي يضرب الحصى، والمنجم، وقد كثرت الكهانة في العرب، لعدم الرسل.
(فلا تأتوا الكهان) لأنهم يتكلمون في مغيبات، فقد يصادف بعضها الإصابة، فيخاف الفتنة على الإنسان بسبب ذلك.
(وكنا نتطير؟ قال: ذاك شيء يجده أحدكم في نفسه، فلا يصدنكم) معناه أن التطير شيء يقع في أنفسكم، ولا عتب عليكم في ذلك، فإنه غير مكتسب لكم، فلا تكليف به، ولكن لا تمتنعوا بسببه من التصرف في أموركم، فهذا هو الذي تقدرون عليه، وهو مكتسب لكم، فيقع به التكليف.
(ومنا رجال يخطون) أي يخطون في الرمل، ويخبرون ببعض الغيب.
(كان نبي من الأنبياء يخط، فمن وافق خطه فذاك) "خطه" بالرفع على الفاعلية والمفعول محذوف، أي من وافق خطه خط النبي، وبالنصب على المفعول، أي من وافق هو في خطه خط النبي.
واختلف العلماء في معنى هذه القضية، قال النووي: والصحيح أن المعنى: من وافق خطه خط النبي صلى الله عليه وسلم فهو مباح له، ولكن لا طريق لنا إلى العلم اليقيني بالموافقة، فلا يباح، والمقصود أنه حرام، لأنه لا يباح إلا بيقين الموافقة، وليس لنا يقين بها، وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، ولم يقل: هو حرام، بغير تعليق على الموافقة، لئلا يتوهم أن هذا النهي يدخل فيه ذلك النبي الذي كان يخط، فحافظ النبي صلى الله عليه وسلم