للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كان منها، ولا يمتنع ذم محل المكروه، وإن كان ليس منه شرعاً، كما يذم العاصي على معصيته، وإن كان ذلك بقضاء الله تعالى. اهـ

وقال ابن بطال: معناه إبطال مذهب الجاهلية في التطير -أي اعتقاد أن الدار تضر وتنفع بذاتها- فكأنه قال: إن كانت لأحدكم دار يكره سكناها، أو امرأة يكره صحبتها أو فرس يكره سيره، فليفارقه.

التوجيه الثالث للحديث اعتماد رواية التقييد بالشرط، روايتنا السابعة عشرة "إن يكن من الشؤم شيء حق ففي الفرس والمرأة والدار" وروايتنا الثامنة عشرة "إن كان الشؤم في شيء ففي الفرس والمسكن والمرأة" والتاسعة عشرة "إن كان ففي المرأة والفرس والمسكن" والمتممة للعشرين "إن كان في شيء ففي الربع والخادم والفرس" ويكون من قبيل التعليق على المستحيل، فيكون جواب الشرط مستحيلاً، كقوله {فإن استقر مكانه فسوف تراني} [الأعراف: ١٤٣]، أي لكنه لن يستقر مكانه، فلن تراني. والمعنى هنا: إن كان في شيء ففي المرأة والفرس والدار، لكن الشؤم ليس في شيء، عملاً بحديث "لا طيرة" فهو ليس في المرأة ولا الفرس ولا الدار، ويكون هذا النفي تصحيحاً لما كانوا يعتقدون، وتحمل الروايات المطلقة كالخامسة عشرة والسادسة عشرة على المقيدة.

التوجيه الرابع: أن المراد بالشؤم هنا النكد والشقاء والمتاعب والتعاسة، وهذه الثلاثة أو الخمسة على بعض الروايات -أكبر مصادر الشقاء في حياة الإنسان، لملازمتها له أكثر من غيرها، وهذا يختص في كل نوع ببعضه، لا بجميعه، فمصدر شقاء بعض الناس زوجته، ومصدر شقاء بعض الناس مسكنه، ومصدر شقاء بعض الناس مركبه وسيارته.

التوجيه الخامس كالرابع: إلا أن في الكلام اكتفاء بذكر أحد الطرفين وإرادة الطرفين معاً، كقوله تعالى {سرابيل تقيكم الحر} [النحل: ٨١] أي والبرد، فحذف البرد اكتفاء بذكر الحر، والمراد الحر والبرد، وهنا المراد: مصدر الشقاء والسعادة المرأة والدار والفرس، فهو كحديث سعد بن أبي وقاص، رفعه "من سعادة المرء المرأة الصالحة، والمسكن الصالح، والمركب الهنيء، ومن شقاوة المرء المرأة السوء، والمسكن السوء والمركب السوء" أخرجه أحمد.

(تكميل) قال الحافظ ابن حجر: اتقفت الطرق كلها على الاقتصار على الثلاثة المذكورة (المرأة والدار والفرس) وعند عبد الرزاق "قالت أم سلمة: والسيف" اهـ

والظاهر أن الحافظ ابن حجر: -رحمه الله- يتنبه إلى روايتنا المتممة للعشرين، وفيها "الخادم".

(أموراً كنا نصنعها في الجاهلية) "أموراً" بالنصب على الاشتغال، أي بفعل محذوف وجوباً، وليس مفعولاً للفعل المذكور، لانشغاله عن العمل فيه بالعمل في ضميره، والتقدير: كنا نصنع أموراً، كنا نصنعها في الجاهلية، والمراد بالجاهلية ما قبل الإسلام.

(كنا نأتي الكهان) الجملة بيان للجملة السابقة، كأنها في جواب سؤال نشأ عن الأولى، كأن سائلاً سأل: ما هي؟ .

<<  <  ج: ص:  >  >>