فيها أكثر من مائة كذبة" قال النووي: "فيقرها" بفتح الياء وضم القاف وتشديد الراء و"قر الدجاجة" بفتح القاف، والدجاجة بفتح الدال الدجاجة المعروفة، قال أهل اللغة والغريب: القر ترديدك الكلام في أذن المخاطب، حتى يفهمه، يقول: قررته فيه أقره قراً، وقر الدجاجة صوتها إذا قطعته، فإن رددته قلت: قرقرت قرقرة، قال الخطابي وغيره: معناه أن الجني يقذف الكلمة إلى وليه الكاهن، فتسمعها الشياطين، كما تؤذن الدجاجة بصوتها صواحبها، فتتجاوب، قال: وفيه وجه آخر، وهي أن تكون الرواية "كقر الدجاجة" بالزاي، تدل عليه رواية البخاري "فيقرها في أذنه، كما تقر القارورة" قال: فذكر القارورة في هذه الرواية يدل على ثبوت الرواية بالزجاجة، قال القاضي: أما مسلم فلم تختلف الرواية فيه أنه "الدجاجة" بالدال، لكن رواية "القارورة" تصحح الزجاجة، قال القاضي: معناه: يكون لما يلقيه إلى وليه حسن كحسن القارورة عند تحريكها مع اليد أو على حجر.
وقد بينت الرواية الرابعة والعشرون كيفية الخطف والقذف، فقالت: "ربنا -تبارك وتعالى اسمه-إذا قضى أمراً" أي إذا أمر ملائكته بأمر "سبح حملة العرش" ونزهوه خضوعاً وقبولاً وطاعة "ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم" أي ثم أهل السماء الذين يلونهم وهكذا "حتى يبلغ التسبيح أهل هذه السماء الدنيا" ثم قال الذين يلون حملة العرش لحملة العرش: ماذا قال ربكم؟ " أي يسأل الذين يلون حملة العرش حملة العرش شفاها عما أمر الله "فيخبرونهم ماذا قال، فيستخبر بعض أهل السموات بعضاً، حتى يبلغ الخبر أهل هذه السماء الدنيا، فتخطف الجن السمع" أي المسموع، لأنهم كانوا يسترقون السمع، ويقعدون في السماء الدنيا مقاعد للسمع "فيقذفون إلى أوليائهم، ويرمون به" أي إلى أوليائهم الكهان في الأرض "فما جاءوا به على وجهه فهو حق، ولكنهم يقرفون فيه، ويزيدون" قال النووي: هذه اللفظة "يقرفون فيه" ضبطوها على وجهين، أحدهما بالراء، والثاني بالذال، ومعناها يخلطون فيه الكذب، وفي رواية "يرقون" بضم الياء وفتح الراء وتشديد القاف، وصوبها بعضهم بفتح الياء، وإسكان الراء وفتح القاف، ومعناه يزيدون، يقال: رقي فلان إلى الباطل، بكسر القاف، أي رفعه، وأصله من الصعود، أي يدعون فيها فوق ما سمعوا. اهـ
وفي ملحق الرواية زيادة الآية الكريمة {حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق}[سبأ: ٢٣] والآية في نظم القرآن في الشفاعة، وسؤال من المشفوع لهم، وجواب من الشفعاء، وصدرها قوله تعالى {ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له} وكأنه جيء بها هنا استشهاداً على ما نحن بصدده، ومعناها على هذا: إذا تكلم الله بالوحي، في أي أمر من الأمور سمع حملة العرش، وملائكة كل سماء صوت العظمة والكبرياء، فيأخذهم انقباض وخوف، ويقعون مسبحين مصعوقين، كأنهم مغشي عليهم، فيفيق من له الأمر -جبريل أو ميكائيل أو عزرائيل أو غيرهم، فيتلقى أمر الله في كونه، ويفزغ عن قلوب حملة العرش ومن يليهم، أي يزول الفزع عن قلوبهم، فيسأل حملة العرش الموحى إليه عما أوحي إليه: ماذا قال ربكم؟ ويجيب الموحى إليهم: قال ربنا القول الحق -قال كذا وكذا مما سيقع حسب حكمته، ويسأل من يلي حملة العرش من الملائكة حملة العرش السؤال نفسه، فيجيبون الجواب نفسه، وهكذا حتى يصل السؤال والجواب بين الملائكة ملائكة السماء الدنيا، وحولهم جن يسترقون السمع.
قال الألوسي: قال الطيبي: روينا عن البخاري والترمذي وابن ماجه، عن أبي هريرة أن رسول الله