عليه من مشقة الرق، وإلا فلو كان التضعيف بسبب اختلاف جهة العمل لم يختص العبد بذلك. اهـ. ومعنى ذلك أن كل عمل يعمله العبد يضاعف له، ومعنى ذلك أن الفرض الواحد إذا أداه العبد والسيد كان أجر العبد ضعف أجر السيد، ولا محذور في ذلك ولا يلزم منه تفضيل العبودية على الحرية، فإن للسيد جهات أخرى يستحق بها أجورا مضاعفة، لا يتمكن العبد من أدائها.
وأما عتق الأمة ثم تزوجها فقد بالغ قوم فكرهوه على أنه من قبيل الرجوع في الصدقة، وقد أسند هذا إلى سعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي، كما أخرج الطبراني عن ابن مسعود أنه يقول ذلك، وعن ابن عمر مثله، وعند ابن أبي شيبة عن أنس أنه سئل عنه، فقال: إذا أعتق أمته لله فلا يعود فيها.
ونحن لا نميل إلى صحة إسناد هذا القول لهؤلاء الأفاضل، فإن صح فلعلهم - كما يقول الحافظ ابن حجر - لم يبلغهم هذا الحديث.
نعم، الخلاف كثير بين العلماء في جواز جعل عتق الأمة صداقا لها، وإلى أن يأتي تفصيل هذا البحث في كتاب النكاح نكتفي بإيجازه فيما يأتي:
ذهب الثوري وأبو يوسف وأحمد وإسحق إلى أنه إذا أعتق أمته على أن يجعل عتقها صداقها صح العقد والعتق والمهر، أخذا بظاهر ما رواه البخاري عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتق صفية وجعل عتقها صداقها.
وذهب الشافعي إلى أن من أعتق أمته على أن يتزوجها، فقبلت عتقت، ولم يلزمها أن تتزوج به، ولكن يلزمها له قيمتها، لأنه لم يرض بعتقها مجانا، وردوا على دليل الفريق الأول بأنه قول لأنس قاله ظنا من قبل نفسه، ولم يرفعه، أو أن هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم دون غيره.
والذي يعنينا في هذا المقام هو أن الأجرين لمن أعتق أمته، ثم تزوجها بمهر خاص، بلا خلاف.
أما من جعل عتقها صداقها فظاهر الحديث الذي معنا يشمله أيضا، لكن رواية البخاري وفيها: "ثم أعتقها ثم أصدقها" تفيد أن المراد بالتزويج في روايتنا أن يقع بمهر جديد سوى العتق، يقوي هذا ما جاء في مسند أبي داود الطيالسي بلفظ "إذا أعتق الرجل أمته ثم أمهرها مهرا جديدا كان له أجران" وما أخرجه الإسماعيلي بلفظ "ثم تزوجها بمهر جديد"
والذي تستريح إليه النفس أن العتق في حد ذاته تكريم وإحسان، وأن زواج السيد من الأمة المملوكة وتمكينها من حقوق الزوجية بعد أن كانت لا تملك منها حقا نحوه، تكريم آخر وإحسان، من أجلهما استحق فاعل ذلك الأجرين، ولا يتوقف الأجران على المهر الجديد إذا ما قلنا بصحة العتق والعقد والمهر، والله أعلم.
بقي أن نقول: إن حصر الذين يؤتون أجرهم مرتين في الثلاثة المذكورين لا يستقيم، فقد ثبت مثل ذلك في حق نساء النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الطبراني، ولقوله تعالى: {يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين} [الأحزاب: ٣٠] {ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين} [الأحزاب: ٣١] ومضاعفة العذاب تقتضي مضاعفة الثواب، كما ثبت أن