وقال القرطبي: الكتابي الذي يضاعف أجره مرتين، هو الذي كان على الحق في شرعه، عقدا وفعلا، إلى أن آمن بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، قال الحافظ ابن حجر: ويشكل عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى هرقل "أسلم يؤتك الله أجرك مرتين" وهرقل كان ممن دخل في النصرانية بعد التبديل.
وقال الداودي ومن تبعه: إنه يحتمل أن يتناول جميع الأمم فيما فعلوه من خير، كما في حديث حكيم بن حزام "أسلمت على ما أسلفت من خير" اهـ.
ويعترض عليه بأن الحديث مقيد بأهل الكتاب، فلا يتناول غيرهم إلا بقياس الخير على الإيمان، وكأن النكتة في قوله:"آمن بنبيه" الإشعار بعلية الأجر، أي إن سبب الأجرين الإيمان بالنبيين، والكفار ليسوا كذلك.
ويمكن أن يقال: الفرق بين أهل الكتاب وغيرهم من الكفار أن أهل الكتاب يعرفون محمدا صلى الله عليه وسلم كما قال الله تعالى: {يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل}[الأعراف: ١٥٧] فمن آمن به واتبعه منهم كان له فضل على غيره، وكذا من كذبه منهم كان وزره أشد من وزر غيره.
وذهب الكرماني إلى اختصاص هذا الأجر بمن آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم في عهد البعثة، أما من آمن من أهل الكتاب بعد وفاة محمد صلى الله عليه وسلم [مثل كعب الأحبار الذي أسلم في عهد عمر بن الخطاب] فلا يدخل في هذا الأجر، وعلل ذلك بأن نبيهم بعد البعثة إنما هو محمد صلى الله عليه وسلم، باعتبار عموم بعثته، وتعقبه الحافظ ابن حجر بأن هذه العلة ثابتة لمن آمن منهم في عهده صلى الله عليه وسلم، فإن خص بمن لم تبلغه الدعوة فلا فرق في ذلك بين عهده صلى الله عليه وسلم وبين الزمن الذي بعده.
فالأظهر أن يقال: إن هذا الأجر باق إلى يوم القيامة لمؤمني أهل الكتاب، لكن هل يختص ممن كان منهم على الحق قبل الإسلام؟ أو يعم من هم على الحق وغيرهم؟ إن قلنا: إن الأجر الأول في اتباعه الحق الأول والأجر الثاني في اتباعه الحق الآخر كان مختصا بمن كان منهم على الحق قبل الإسلام، وهو الظاهر، وإن قلنا: إن الأجرين والمضاعفة في اتباع الحق الثاني بسبب التمسك بالأول [وبه قيل] كان مناسبا للعموم، والله أعلم.
أما العبد المملوك فقد قال ابن عبد البر: إنه لما اجتمع عليه أمران واجبان: طاعة ربه في العبادات، وطاعة سيده في المعروف، فقام بهما جميعا كان له ضعف أجر الحر المطيع لطاعته، لأنه قد ساواه في طاعة الله، وفضل عليه بطاعة من أمره الله بطاعته، ثم قال: ومن هنا أقول: إن من اجتمع عليه فرضان، فأداهما، أفضل ممن ليس عليه إلا فرض واحد فأداه، كما وجب عليه صلاة وزكاة، فقام بهما، فهو أفضل ممن وجبت عليه صلاة فقط، ومقتضاه: أن من اجتمعت عليه فروض فلم يؤد منها شيئا كان عصيانه أكثر من عصيان من لم يجب عليه إلا بعضها. اهـ.
ومقتضى هذا: أن التضعيف من جهة تعدد الواجبات، فالعمل الذي يجمع بين حق الله وحق السيد يضاعف باعتبارين، أما العمل الخاص بحق الله فلا يضاعف، وكذا الخاص بحق السيد.
وقال الحافظ ابن حجر: الذي يظهر أن مزيد الفضل للعبد الموصوف بهذه الصفة، هو لما يدخل