ولهذا كثر سؤالهم، وكثر السائلون القانعون بما يؤدي إلى دخول الجنة غير الطامعين في درجاتها العليا.
ومن هؤلاء النعمان بن قوقل الذي أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يا رسول الله أخبرني لأزداد إيمانا ويطمئن قلبي.
هل إذا صليت خمس صلوات في كل يوم وليلة، وصمت شهر رمضان من كل عام وحافظت على الحلال، وابتعدت عن الحرام، ولم أزد على ذلك شيئا. أأدخل الجنة؟ قال صلى الله عليه وسلم: نعم تدخل الجنة.
قال النعمان: والله لا أزيد على ذلك شيئا.
والنعمان وأضرابه ممن حلفوا أن لا يزيدوا، واكتفوا بالواجبات وقنعوا بمجرد دخول الجنة إنما كان منهم ذلك مؤقتا، وحتى ملأ الإيمان قلوبهم، فكفروا عن أيمانهم، وأتوا الذي هو خير منها، وسارعوا إلى الخيرات، واستحقوا أعالي درجات الجنات مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
وليس أدل على ذلك من فعل النعمان نفسه الذي وقف يوم أحد - وهو الرجل الأعرج الذي رفع عنه الجناح، وأعفي من الجهاد- وقف مشهرا سيفه، بائعا نفسه وروحه لربه بالجنة، واندفع نحو الكافرين يقاتل، وهو ينادي بأعلى صوته: أقسمت عليك يا رب أن لا تغيب الشمس حتى أطأ بعرجتي في خضر الجنة.
وأبلى بلاء حسنا حتى استشهد. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لقد رأيته يطأ فيها وما به من عرج".
-[المباحث العربية]-
(النعمان بن قوقل) بقافين مفتوحتين بينهما واو ساكنة. شهد بدرا واستشهد يوم أحد.
(أرأيت) أي أخبرني، وهذه الدلالة عن طريق مجازين:
الأول في الاستفهام الذي هو في الأصل طلب الفهم، أريد منه مطلق الطلب عن طريق المجاز المرسل بعلاقة الإطلاق بعد التقييد.
الثاني: في الرؤية علمية أو بصرية، أريد منها ما يتسبب عنها من إخبار، عن طريق المجاز المرسل بعلاقة السببية والمسببية، فآل الأمر إلى طلب الإخبار المدلول عليه بكلمة أخبرني.
(أحللت الحلال) في القاموس: أحله الله وحلله إحلالا وتحللا.
والحلال ضد الحرام، مستعار من حل العقدة، وهو ما انتفى عنه حكم التحريم، فيشمل ما يكره وما لا يكره، وقيل: ما لا يعاقب عليه.