(ألم تر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خير دور الأنصار) أي فاضل بينها.
(فجعلنا آخرا) في رواية البخاري "أخيرا" في رواية "فوجد سعد بن عبادة في نفسه، فقال: خلفنا، فكنا آخر الأربعة".
(فأدرك سعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، خيرت دور الأنصار، فجعلتنا آخرا؟ ) في رواية "وجد في نفسه، وأراد كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فقال له ابن أخيه سهل: أتذهب لترد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره؟ ورسول الله أعلم؟ أوليس حسبك أن تكون رابع أربعة؟ فرجع" قال الحافظ ابن حجر: ويمكن الجمع بأنه رجع حينئذ عند قصده رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك خاصة، ثم إنه لما لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم في وقت آخر ذكر له ذلك أو الذي رجع عنه أنه أراد أن يورده مورد الإنكار، والذي صدر منه ورد مورد المعاتبة المتلطفة.
(أوليس بحسبكم أن تكونوا من الخيار؟ ) أي من الأفاضل؟ لأنهم بالنسبة إلى من دونهم أفضل، وكأن المفاضلة وقعت بينهم بحسب السبق إلى الإسلام، وبحسب مساعيهم في إعلاء كلمة الله، ونحو ذلك، قاله الحافظ ابن حجر.
-[فقه الحديث]-
ترجم الإمام النووي لهذا الحديث بقوله: باب في معجزات النبي صلى الله عليه وسلم، وترجم الإمام البخاري له بقوله: باب علامات النبوة في الإسلام، وقال الحافظ ابن حجر: العلامات جمع علامة، وعبر بها المصنف لكون ما يورده من ذلك أعم من المعجزة، بما يشمل الكرامة، والفرق بينهما أن المعجزة أخص، لأنه يشترط فيها أن يتحدى النبي صلى الله عليه وسلم من يكذبه، بأن يقول: إن فعلت كذلك أتصدق بأني صادق؟ أو يقول من يتحداه: لا أصدقك حتى تفعل كذا، ويشترط أن يكون المتحدي به مما يعجز عنه البشر في العادة المستمرة، وقد وقع النوعان للنبي صلى الله عليه وسلم في عدة مواطن، وسميت المعجزة معجزة لعجز من يقع عندهم ذلك عن معارضتها
ثم قال: وما عدا القرآن، من نبع الماء من بين أصابعه، وتكثير الطعام، وانشقاق القمر، ونطق الجماد، فمنه ما وقع التحدي به ومنه ما وقع دالا على صدقه من غير سبق تحد، قال: ومجموع ذلك يفيد القطع بأنه ظهر على يده صلى الله عليه وسلم من خوارق العادات شيء كثير، كما يقطع بجود حاتم، وشجاعة علي، وإن كانت أفراد ذلك ظنية، وردت مورد الآحاد مع أن كثيرا من المعجزات النبوية قد اشتهر وانتشر، ورواه العدد الكثير والجم الغفير، وأفاد الكثير منه القطع عند أهل العلم بالآثار، والعناية بالسير والأخبار، وإن لم يصل عند غيرهم إلى هذه الرتبة، لعدم عنايتهم بذلك، بل لو ادعى مدع أن غالب هذه الوقائع مفيدة للقطع بطريق نظري، لما كان مستبعدا، وهو أنه لا مرية أن رواة الأخبار في كل طبقة قد حدثوا بهذه الأخبار في الجملة، ولا يحفظ عن أحد من الصحابة ولا من بعدهم مخالفة الراوي، فيما حكاه من ذلك، والإنكار عليه فيما هنالك، فيكون الساكت منهم كالناطق،