للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الناس} [المائدة: ٦٧] عصمة هلاك واستئصال، لا عصمة إيذاء وبلاء، فكم أوذي من الكفار، وكم تحمل من جهل الجاهلين، وكذلك الأنبياء، يبتلون فيصبرون، وإذا كان بعض الأنبياء قد قتلوا فإن محمدا صلى الله عليه وسلم عصم من الناس بوعد الله، وظهر هذا اليقين بهذا الوعد في هذه القصة.

كانت الجولات الحربية بين الإسلام والكفر على أشدها، وما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة إلا وري بغيرها، ليبقى المسلمون على استعداد دائم، وكان الكفار متربصين بالمسلمين وبرسول الإسلام، لا يدعون فرصة للنيل منهم إلا ويقتنصونها.

وسنحت لهم فرصة العمر في ظن أحدهم، حيث تعقب جيش المسلمين العائد من غزوة ذات الرقاع، لعله ينفرد بأحدهم، فيغتاله، ورأى من بعيد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، في نحر الظهيرة، وفي شدة الحر ينزلون للقيلولة، في واد كثير الشجر، كثير الظل، ينزلون للراحة، ويتفرقون تحت الشجر، ورأى من بعيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد انفرد بشجرة مظلة، علق على غصن من أغصانها سلاحه وسيفه، ثم افترش الأرض، فنام، وتسلل الأعرابي في غفلة من الصحابة لنومهم واستراحتهم، حتى وصل إلى شجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فسحب سيفه، وأخرجه من غمده، وأشهره، وقال: يا محمد، من يمنعك مني الآن؟ من يحول بيني وبين قتلك بسيفك؟ فقال صلى الله عليه وسلم بهدوء الواثق الشجاع: الله يمنعني. ونزلت الكلمة على قلب الأعرابي كالصاعقة، أعاد التهديد مرة أخرى، وأعاد الرسول صلى الله عليه وسلم لفظ الله مرة أخرى، وزاد الرعب في قلب الأعرابي فكرر التهديد للمرة الثالثة وكرر رسول الله صلى الله عليه وسلم الجواب، وارتجف الأعرابي، وسقط السيف من يده، وتناوله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتسمر الأعرابي في مكانه لا يتحرك، لا يفكر في الجري والفرار، وأصابه ذهول الموقف وغطاه الخوف. قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجلس، فجثا خاضعا على ركبتيه، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم من يمنعك أنت مني الآن؟ قال: لا أحد. فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، فجاءوا، فقص عليهم ما جرى، فحاولوا قتل الرجل، فمنعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال للرجل: اذهب إلى حال سبيلك. قال الرجل: أنت خير مني، أعاهدك أن لا أقاتلك، ولا أعين عليك من يقاتلك، فلما ولى دخل الإسلام قلبه، فرجع إلى قومه، فقال لهم: جئتكم من عند خير الناس، وقص عليهم القصة، فآمن بإيمانه خلق كثير، وهكذا أسلم الكافرون، لأن رسول الإسلام كان قدوة، كان رحمة للعالمين.

-[المباحث العربية]-

(غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة قبل نجد) الضمير في "غزونا" لجابر ومن كان معه من الصحابة، و"قبل نجد" بكسر القاف وفتح الباء، أي جهتها، وقد وقع القصد إلى جهة نجد في عدة غزوات وفي رواية البخاري تحديد الغزوة، ولفظها "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بذات الرقاع ... " وذكر القصة.

وكذا في الملحق الثاني لروايتنا، ولفظه "حتى إذا كنا بذات الرقاع" وعند ابن إسحق "أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد غزوة بني النضير شهر ربيع وبعض جمادى - يعني من سنته - وغزا نجدا، يريد بني محارب وبني ثعلبة من غطفان، حتى نزل نخلا، وهي غزوة ذات الرقاع، وقد سبق الكلام عنها في الغزوات.

<<  <  ج: ص:  >  >>