للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٥٢٣٢ - عن عامر بن سعد بن أبي وقاص قال: كتبت إلى جابر بن سمرة مع غلامي نافع: أخبرني بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال فكتب إلي: إني سمعته يقول "أنا الفرط على الحوض".

-[المعنى العام]-

إن أفضل ما يقدم إلى العطشان الظمآن جرعة ماء، فإذا كان الظمأ شديدا لم يسبق له مثيل، وإذا كانت الشربة بما هو أبيض من اللبن، وأحلى من العسل، وأطيب رائحة من المسك، في أباريق من ذهب وفضة، صافية لامعة كالنجوم في الليل، وإذا كان الساقي هو أحب حبيب كان في الدنيا، وإذا كان الشراب يروي ريا، لا يظمأ شاربه بعده أبدا، إذا كان الأمر كذلك كانت المنة أعظم منه، والفضل خير الفضل، والإحسان أفضل إحسان.

في الموقف العظيم يوم القيامة يشتد الحر، وتدنو الشمس من الرءوس، فيعرق الناس، فمنهم من يبلغ عرقه عقبه، ومنهم من يبلغ عرقه نصف ساقه، ومنهم من يبلغ ركبته، ومنهم من يبلغ فخذه، ومنهم من يبلغ خاصرته، ومنهم من يبلغ منكبه، ومنهم من يبلغ فاه، ومنهم من يغطيه عرقه، حتى يذهب عرقهم في الأرض سبعين ذراعا، تعطي الشمس يوم القيامة حر عشر سنين، ثم تدنو من جماجم البشر، حتى تكون قاب قوسين، فيعرقون، حتى يرشح العرق في الأرض قامة، ومن هذا الظمأ الشديد يتفرق الناس إلى الصراط، فيجد المؤمنون في طريقهم حوضا من شراب، مربع المساحة، طوله كعرضه، ضلعه مئات الأميال، يتسع لكل الواردين عليه، دون زحام، عليه أباريق وكيزان، كعدد النجوم في السماء الصافية التي لا غيم فيها ولا قمر، إذا مد المؤمن يده إلى الإبريق، أسرع الإبريق مملوءا إلى يده ثم إلى فمه، لا عناء، ولا مشقة، إذا نظر إلى مائه وجده أشد بياضا من اللبن، وإذا وصلت رائحة الشراب إلى أنفه أحس أنه أطيب من المسك، وإذا تذوقه وجده أحلى من العسل، وأبرد من الثلج، متعة لم تخطر على قلب بشر، بعد حرمان وحاجة إليها لم تخطر على قلب بشر، ولمن هذا الحوض؟ ومن أين شرابه، إنه لمحمد صلى الله عليه وسلم، أكرمه ربه به، ليكرم به أمته، إن صاحبه الرءوف الرحيم واقف، يرحب بالواردين، وملائكة الله تحيط بهم في بهجة وسرور، تقول لهم: اشربوا هنيئا بما كنتم تعملون، محمد صلى الله عليه وسلم يقف بجوار الحوض، وعلى قمته، وفي يده عصا صغيرة، أعظم من عصا موسى، بإشارتها يبتعد عن الحوض من لا يستحق الشرب، ويقرب من الحوض من هو أهل له، وبإشارتها يقدم إلى الحوض أناس على أناس، على أساس صالح أعمالهم وجهادهم في الدنيا، ينظمهم وينظم ورودهم بإشارة عصاه، وهو فرح بهم، مسرور بكثرتهم، لكن في غمرة هذا السرور يفاجأ بمنظر رهيب، جماعة ممن كانوا أصحابه، يعرفهم ويعرفونه، يردون نحو الحوض، ينادون: أنقذنا يا محمد.

عطاشى يا محمد. ويتجه الرسول صلى الله عليه وسلم نحوهم ليساعدهم، فتحول الملائكة بينه وبينهم، فيقول للملائكة: هؤلاء

<<  <  ج: ص:  >  >>