أصحابي. هؤلاء أصحابي. هم مني ومن أمتي، إنني أعرفهم ويعرفونني؟ إلى أين تذهبون بهم، فتقول الملائكة: إلى النار، فيقول: ولماذا؟ فيقولون: إنك لا تدري ماذا أحدثوا في دينهم بعد موتك، إنهم بدلوا، وغيروا، وكفروا، وارتدوا، فيقول: سبحانك {وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد}[المائدة: ١١٧].
ونرجع إلى المنظر البديع، منظر الحوض والشاربين، إن ماءه لا يغيض، ولا يفيض، لا يرتفع ولا يزيد ولا ينخفض عن مستواه، ولا ينقص رغم شرب الملايين وملايين الملايين، إن مدده من نهر الكوثر الذي يجري في الجنة، يصب فيه، فإذا رفعت بصرك إلى أعلى رأيت عجبا، ميزابين في الفضاء، أحدهما من ذهب، والآخر من فضة، يمسكهما الله، ما يمسكهما من أحد من بعده، إنهما يمتدان في السماء إلى الجنة، فيلقيان من شرابها في هذا الحوض قطعا قطعا، لا تسأل: كيف؟ ولا تعجب، فإنها أحوال الآخرة، فإنها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، سقانا الله من حوضه صلى الله عليه وسلم، شربة لا نظمأ بعدها أبدا.
-[المباحث العربية]-
(أنا فرطكم على الحوض) الفرط بفتح الفاء والراء، والفارط هو الذي يتقدم الوارد، ليصلح له الحياض، والدلاء، ونحوها من أمور الاستسقاء، فمعنى:"أنا فرطكم على الحوض"، أي سابقكم لأهيئ وأعد لكم حوضي للشرب منه.
و"الحوض""ال" فيه للعهد، أي حوض النبي صلى الله عليه وسلم، وجمع الحوض حياض وأحواض، وهو مجمع الماء، وهل للنبي صلى الله عليه وسلم حوض واحد؟ أو أكثر؟ وهل للأنبياء أحواض؟ وأين مكان الحوض من أحداث يوم القيامة قبل الصراط؟ أو بعده؟ سيأتي تفصيل ذلك في فقه الحديث.
وقد تكلمت الروايات عن مساحته، وعن مائه، وعن أكوابه، وعمن يرده، وعمن يحال بينهم وبينه، فعن مساحته: تقول الرواية الثالثة "حوضي مسيرة شهر، وزواياه سواء" وتقول الرواية الثامنة "إن عرضه كما بين أيلة إلى الجحفة" و"أيلة" بفتح الهمزة وسكون الياء. مدينة، كانت عامرة، بطرف بحر القلزم، من طرف الشام، قال الحافظ ابن حجر: وهي الآن خراب، يمر بها الحاج من مصر، فتكون شماليهم، ويمر بها الحاج من غزة وغيرها، فتكون أمامهم، وإليها تنسب العقبة المشهورة عند المصريين، وبينها وبين المدينة النبوية نحو الشهر، بسير الأثقال، إن اقتصروا كل يوم على مرحلة.
وهي من مصر على أكثر من النصف من ذلك، وهي دون الثلث بين مصر ومكة، وهي أقرب لمصر. وقد مر قريبا أن صاحب أيلة جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصالحه، وقال النووي: بينها وبين المدينة نحو خمس عشرة مرحلة، وبينها وبين دمشق نحو اثنتي عشرة مرحلة، وبينها وبين مصر نحو ثمان مراحل، فهي متوسطة بين المدينة، ودمشق ومصر.
أما الجحفة فهي على نحو سبع مراحل من المدينة، في الطريق إلى مكة، أو ثلاث مراحل من مكة، والمسافة بالمراحل لم تكن محددة، لأن المقصود بها كان المسافة التي تتعب عندها الإبل في