رجلين، عليهما ثياب بيض، يقاتلان عنه، كأشد القتال، ما رأيتهما قبل هذا اليوم، وما رأيتهما بعد انتهاء المعركة.
إنهما جنديان من جنود الله {وما يعلم جنود ربك إلا هو وما هي إلا ذكرى للبشر}[المدثر: ٣١] وأي تكريم لمحمد صلى الله عليه وسلم يفوق هذا التكريم؟ وأي حماية تعلو هذه الحماية؟ وصدق الله العظيم إذ يقول {والله يعصمك من الناس}[المائدة: ٦٧] صلى الله وسلم وبارك عليه.
-[المباحث العربية]-
(رأيت عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن شماله يوم أحد رجلين) الكلام على التوزيع، أي عن يمينه رجل، أي ملك في صورة رجل، وعن شماله رجل، أو كانا يتبادلان المواقع، فكل منهما عن يمينه وشماله والظاهر الأول.
(ما رأيتهما قبل ولا بعد) كناية عن كونهما غريبين، وجبريل وميكائيل بالنسبة له كذلك.
(يقاتلان عنه، كأشد قتال) فرق بين "يقاتلان عنه" أي يدافعان عنه، ويصدان ضربات الكفار الموجهة إليه، ويحميانه ويعصمانه، وبين يقاتلان معه، أي يضربان الكفار، ويحاربونهم معه ومع أصحابه، وقوله "كأشد قتال" صفة لمصدر محذوف، أي قتالا مشبها أشد القتال.
-[فقه الحديث]-
ترجم النووي - رحمه الله - لهذا الحديث بباب إكرامه صلى الله عليه وسلم بقتال الملائكة معه صلى الله عليه وسلم، ولا يؤخذ هذا من الحديث، إذ لفظه "يقاتلان عنه" وفرق بين اللفظين، كما ذكرنا في المباحث العربية.
وقتال الملائكة أو نزول الملائكة في المعارك ثابت بنص القرآن الكريم، إذ يقول {ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون * إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين * بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين * وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم * ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم فينقلبوا خائبين}[آل عمران: ١٢٣ - ١٢٧] قال الحافظ ابن حجر: اختلف أهل التأويل في متعلق قوله {إذ تقول للمؤمنين} فمنهم من قال: هي متعلقة بقوله {ولقد نصركم الله ببدر} فهي في قصة بدر، وعليه عمل البخاري، وهو في قول الأكثر، وبه جزم الداودي، وقيل: هي متعلق بقوله: {وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال}[آل عمران: ١٢١] فعلى هذا هي متعلقة بغزوة أحد، وهو قول عكرمة وطائفة. اهـ.
وعلى كل. هل قاتلت الملائكة؟ أو نزلت للتثبيت والمدد وتكثير العدد؟ فقيل: إنها لم تقاتل أصلا، إذ لو قاتلت ما كانت هناك موازنة بين جيش المسلمين والكفار، ولما حصلت الهزيمة في أحد، ولما