في رمضان أجود منه في غيره. قال النووي: الرفع أشهر، والنصب جائز، قال الحافظ ابن حجر: ويرجح الرفع وروده بدون "كان" عند البخاري في الصوم.
(إن جبريل عليه السلام كان يلقاه) الجملة مستأنفة استئنافا تعليليا، لبيان سبب الأجودية المذكورة، ففي رواية للبخاري "لأن جبريل كان يلقاه في كل ليلة في شهر رمضان" وفي رواية أخرى له "وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل" وفي آخر روايتنا "فإذا لقيه جبريل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة".
(في كل سنة في رمضان، حتى ينسلخ) أي شهر رمضان، أي حتى ينقضي، قال النووي: هكذا في جميع النسخ "في كل سنة" ونقله القاضي عن عامة الروايات والنسخ، قال: وفي بعضها "كل ليلة" بدل "كل سنة" قال: وهو المحفوظ، لكنه بمعنى الأول، لأن قوله "حتى ينسلخ" بمعنى كل ليلة اهـ. فالمراد من الروايتين: في كل سنة في كل ليلة من رمضان، أي بالإضافة إلى لقاءات أخرى في السنة، لأسباب أخرى.
(فيعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن) أي ما نزل منه، وفي هذه الرواية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي كان يعرض، وفي رواية للبخاري "كان جبريل يعرض القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم" والمعنى يستعرضه ما أقرأه إياه، فيحمل الأمر على أن كلا منهما كان يعرض على الآخر، ويؤيده رواية للبخاري "فيدارسه القرآن".
(فإذا لقيه جبريل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة) مبالغة في التشبيه، وذلك أنه أثبت له أولا وصف الأجودية، ثم أراد أن يصفه بأزيد من ذلك، فشبه جوده بالريح المرسلة، بل جعله أبلغ في ذلك منها، لأن الريح قد تسكن، ووصفها بالمرسلة المبشرة بالخير، المطلقة ليحترس بذلك عن الريح العقيم الضارة، والمرسلة يستمر إرسالها مدة إرسالها، وكذا كان عمله صلى الله عليه وسلم في رمضان، ديمة لا ينقطع، فشبهه بريح الرحمة التي يرسلها الله تعالى، لإنزال الغيث العام، الذي يكون سببا لإصابة الميتة وغير الميتة، أي فيعم خيره وبره من هو بصفة الفقر والحاجة، ومن هو بصفة الغنى والكفاية، عموما أكثر من عموم الغيث الناشئ عن الريح المرسلة.
واستعمل أفعل التفضيل في الإسناد الحقيقي والمجازي، لأن الجود من النبي صلى الله عليه وسلم حقيقة، والجود من الريح مجاز، فكأنه استعار للريح جودا، باعتبار مجيئها بالخير، فأنزلها منزلة من جاد، وفي تقديم معمول "أجود" وهو "بالخير" على المفضل عليه نكتة لطيفة، وهي أنه لو أخره، لظن تعلقه بالمرسلة، وهذا وإن كان صحيح المعنى، إلا أنه تفوت به المبالغة، لأن المراد وصفه بزيادة الأجودية على الريح المرسلة مطلقا. قاله الحافظ ابن حجر.