الإجمال أن تكون مع غيرك على نفسك فتنصف منها ولا تنصف لها، وعلى التفصيل العفو والحلم والجود والصبر وتحمل الأذى والرحمة والشفقة وقضاء الحوائج والتوادد ولين الجانب، ونحو ذلك، والمذموم منها ضد ذلك.
(فأرسلني يوما لحاجة) أي لأقضي حاجة له.
(فقلت: والله لا أذهب) الآن عاجلا، أي قلت في نفسي ذلك، رغبة مني في اللعب قليلا، فقد كان فوق العاشرة بقليل.
(وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به نبي الله صلى الله عليه وسلم) أي لم يكن موقفي عصيان الأمر، وعدم تنفيذه، بل تأجيله قليلا وتأخيره، مع عزمي أن أنفذه.
(فخرجت حتى أمر على صبيان، وهم يلعبون في السوق) أي فلعبت معهم، وانشغلت بلعبهم، وفي قوله "حتى أمر" تعبير عن الماضي بالمضارع، استحضارا للصورة، والأصل: حتى مررت وفي ذلك إشارة إلى أنه لم يقصد اللعب ابتداء، بل وقع ذلك مصادفة في مروره بهم، وهو في طريقه لقضاء الحاجة.
(يا أنيس: أذهبت حيث أمرتك؟ قال: قلت: نعم. أنا أذهب يا رسول الله) الآن، فذهب و"أنيس" بضم الهمزة وفتح النون، تصغير "أنس" والجواب نعم تصديق للمخبر بنفي أو إيجاب، والاستفهام التقريري خبر موجب، والمعنى هنا: أقر بأنك لم تذهب، فيكون الجواب نعم، أقر أنني لم أذهب، وسأذهب الآن، "وحيث" هنا ظرف مكان، مبني على الضم في محل نصب، كما في قوله تعالى {الله أعلم حيث يجعل رسالته}[الأنعام: ١٢٤].
-[فقه الحديث]-
اختلف العلماء في: هل حسن الخلق غريزة؟ أو مكتسب؟ فذهب جماعة إلى أنه غريزة، واستدلوا بحديث ابن مسعود "إن الله قسم أخلاقكم، كما قسم أرزاقكم" رواه البخاري، في الأدب المفرد، وقال القرطبي في المفهم: الخلق جبلة في نوع الإنسان، وهم في ذلك متفاوتون، فمن غلب عليه شيء منها، إن كان محمودا فحسن، وإلا فهو مأمور بالمجاهدة فيه، حتى يصير محمودا، وكذا إن كان ضعيفا، فيرتاض صاحبه، حتى يقوى. اهـ.
وذهب جماعة إلى أن الخلق مكتسب، لأنه يقوم، وهو بالسلوك والتعود يصبح سجية وذهب المحققون إلى أن منه ما هو غريزة، ومنه ما هو مكتسب، ويؤيدهم ما رواه أحمد والنسائي والبخاري في الأدب المفرد وصححه ابن حبان "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأشج عبد القيس: إن فيك لخصلتين، يحبهما الله. الحلم والأناة، قال: يا رسول الله، قديما كانا في؟ أو حديثا؟ فقال: قديما، قال: الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما" فترديده السؤال، وتقريره عليه، يشعر بأن في الخلق ما هو جبلي، وما هو مكتسب.