للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال: خدمته في الحضر والسفر، وفي رواية للبخاري أيضا عن أنس "كنت ابن عشر سنين، مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فكان أمهاتي - يقصد أمه وخالته ومن في معناهما - يواظبنني - أي يرغبنني ويحثثنني - على خدمة النبي صلى الله عليه وسلم، فقدمته أمه، أم سليم للنبي صلى الله عليه وسلم.

(والله ما قال لي: أفا قط) قال الراغب: أصل الأف كل مستقذر من وسخ، كقلامة الظفر وما يجري مجراها، ويقال ذلك لكل مستخف به، ويقال أيضا عند تكره الشيء، وعند التضجر من الشيء، واستعملوا منها الفعل، يقولون: أففت بفلان.

وفي "أف" عدة لغات: الحركات الثلاث للهمزة مع تشديد الفاء، بغير تنوين، وبالتنوين، وهي في روايتنا "أفا" بالنصب والتنوين على المصدرية، وهي موافقة لبعض القراءات الشاذة، وهي هنا مع ضم الهمزة والتشديد، وعلى ذلك اقتصر بعض الشراح، وذكر أبو الحسن الرماني فيها لغات كثيرة، بلغها تسعا وثلاثين، ونقلها ابن عطية، وزاد واحدة، أكملها أربعين، ومنها الستة المتقدمة، وبتخفيف الفاء كذلك ستة أخرى، وبالسكون مشددا ومخففا، وبزيادة هاء ساكنة في آخره مشددا ومخففا، و"أفي" بالإمالة، وبين بين، وبلا إمالة ... إلخ.

وساقها الحافظ ابن حجر، فمن أرادها فليطلبها.

وأما "قط" ففيها لغات: بفتح القاف وضمها، مع تشديد الطاء المضمومة، وبفتح القاف وكسر الطاء المشددة، وبفتح القاف وإسكان الطاء، وبفتح القاف وكسر الطاء المخففة، وهي لتوكيد نفي الماضي.

(ولا قال لي لشيء: لم فعلت كذا؟ وهلا فعلت كذا؟ ليس مما يصنعه الخادم) أي هذا الذي صنعت ليس مما يقبل من الخادم وفي الرواية الثانية "والله ما قال لي لشيء صنعته: لم صنعت هذا هكذا؟ ولا لشيء لم أصنعه: لم لم تصنع هذا هكذا؟ وفي الرواية التالية "فما أعلمه قال لي قط: لم فعلت كذا وكذا؟ ولا عاب علي شيئا قط" وفي الرواية الرابعة "فما أعلمه قال لي قط: لم فعلت كذا وكذا؟ ولا عاب علي شيئا قط" وأما قوله في الرواية الثالثة "أذهبت حيث أمرتك"؟ فليس من قبيل ما نفاه، لأن الاستفهام هنا، وإن كان إنكاريا توبيخيا، ومعناه ما كان ينبغي أن لا تذهب، لكنه ظاهر في العتب برفق، ويحتمل أن المراد ما قال لي كذا وكذا بغضب. بخلاف ما في الرواية الثالثة، فقد قال وهو يضحك، فالمنفي اللوم والتأنيب كما يفعل مع الخادم، والمثبت الحض والعرض والتوجيه، كما يفعل مع الأبناء والأحبة.

(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقا) بضم الخاء واللام، ويجوز إسكان اللام، قال الراغب: الخلق بفتح الخاء، والخلق بضمها، في الأصل بمعنى واحد، كالشرب والشرب، لكن خص الخلق بالفتح، بالهيئات والصور المدركة بالبصر، وخص الخلق بالضم، بالقوى والسجايا، المدركة بالبصيرة اهـ. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم كما حسنت خلقي فحسن خلقي" وقال القرطبي في المفهم: الأخلاق أوصاف الإنسان التي يعامل بها غيره، وهي محمودة ومذمومة، فالمحمودة على

<<  <  ج: ص:  >  >>