(ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئا إلا أعطاه) أي ما سئل في مقابل الإسلام مالا إلا أعطاه، تأليفا لقلوب الضعفاء، الذين يهمهم المال فوق أي شيء، وقد كان يعلم - بعلم من الله - أن هذا الذي يعطى من أجل أن يسلم سيشرح الله صدره للإسلام بعد أن يسلم، وهذا معنى قول أنس في الرواية الثالثة "إن كان الرجل ليسلم، ما يريد إلا الدنيا، فما يسلم حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها" أي فما يلبث بعد إسلامه إلا يسيرا، حتى يكون الإسلام أحب إليه، والمراد أنه يظهر الإسلام أولا للدنيا، لا بقصد صحيح بقلبه، ثم من بركة النبي صلى الله عليه وسلم، ونور الإسلام، لا يلبث إلا قليلا، وينشرح صدره بحقيقة الإيمان، ويتمكن من قلبه، فيكون حينئذ أحب إليه من الدنيا وما فيها.
قال النووي: هكذا هو في معظم النسخ "فما يسلم" وفي بعضها "فما يمسي" وكلاهما صحيح. اهـ.
وتصديقا لهذا يصرح صفوان - في الرواية الرابعة - بأن إعطاء رسول الله صلى الله عليه وسلم له، بدأ ومحمد أبغض الناس إليه، ولم ينته حتى كان محمد أحب الناس إليه.
(فجاءه رجل، فأعطاه غنما بين جبلين) أي فجاءه رجل ليسلم في مقابل غنم، فأعطاه غنما كثيرا، تشغل وتملأ ما بين جبلين، فالكلام كناية عن الكثرة، وفي الرواية الثالثة "أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم غنما بين جبلين، فأعطاه إياه" كان الظاهر أن يقول "إياها" لأن الغنم اسم مؤنث، موضوع للجنس يقع على الذكور، وعلى الإناث، وعليهما جميعا، فإذا صغرتها أدخلت الهاء، فقلت: غنيمة، لأن أسماء الجموع التي لا واحد لها من لفظها، إذا كانت لغير الآدميين، فالتأنيث لها لازم، يقال: له خمس من الغنم ذكور، فيؤنث العدد، وإن قصدت الكباش، إذا كان يليه "من الغنم" لأن العدد يجري في تذكيره وتأنيثه على اللفظ، لا على المعنى، والإبل كالغنم في جميع ما ذكر، كذا في لسان العرب، فتذكير الضمير في الحديث باعتباره قطيعا، فالغنم القطيع من العنز والضأن.
(فرجع إلى قومه، فقال: يا قوم، أسلموا، فإن محمدا يعطي عطاء، لا يخشى الفاقة) في الرواية الثالثة "فأتى قومه، فقال: أي قوم، أسلموا، فوالله. إن محمدا ليعطي عطاء، ما يخاف الفقر".
(وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ صفوان بن أمية .... ) كانت غنيمة حنين أربعة وعشرين ألفا من الإبل، وأربعين ألفا من الغنم، وكان صفوان بن أمية ممن خرج إلى حنين وهو لم يسلم بعد، وأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفيء تأليفا لقلبه، ليسلم، كما أعطى بعض كبراء قريش، قريبي عهد بكفر، فأعطى أبا سفيان بن حرب مائة، وأعطى عيينة بن حصن مائة، وأعطى مالك بن عوف مائة، وأعطى الأقرع بن حابس مائة، وأعطى علقمة بن علاثة مائة وأعطى العباس بن مرداس مائة.
وصفوان بن أمية بن خلف. قتل أبوه يوم بدر كافرا، قالوا: إنه هرب يوم فتح مكة، وأسلمت امرأته، فأخذ له ابن عمه أمانا من النبي صلى الله عليه وسلم، فحضر، وحضر وقعة حنين قبل أن يسلم، قال يوم حنين: لأن يريني رجل من قريش أحب إلي من أن يريني رجل من هوازن، وكان صفوان أحد العشرة الذين انتهى إليهم شرف الجاهلية، ووصله لهم الإسلام من عشر بطون، ونزل صفوان - بعد حنين - على العباس بالمدينة، ثم أذن له النبي صلى الله عليه وسلم في الرجوع إلى مكة، فأقام بها، حتى مات بها، مقتل عثمان رضي الله عنه.