من ماء، أو إزالة التراب المتنجس، لكن إذا حملناه على ما يفضي إلى الإثم، أمكن أن يخير الشارع بين ما لا يفضي إلى الإثم وبين ما يفضي إلى الإثم غالبا، ومثلوا له بأن يخير بين أن يفتح عليه من كنوز الأرض، وما يخشى من الاشتغال به عن العبادة مثلا، وبين أن لا يؤتيه من الدنيا إلا الكفاف، فيختار الكفاف، وإن كانت السعة أسهل منه، والإثم على هذا أمر نسبي، لا يراد منه معنى الخطيئة، لثبوت العصمة له صلى الله عليه وسلم، بل هو من قبيل: حسنات الأبرار سيئات المقربين، ويكون المراد ما لم يكن إثما أو يخشى منه أن يفضي إلى خلاف الأولى، فيختار الأشق حينئذ، ويترك الأيسر، والاستثناء على هذا متصل، فالمستثنى من جنس المستثنى منه.
وقال ابن التين: المراد التمييز بين أمرين من أمور الدنيا، وأما أمر الآخرة، فكلما صعب كان أكثر ثوابا، كذا قال، وفيه نظر، فإنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم ويفطر ويصلي ويرقد، ويتزوج النساء.
(ما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه) في بعض الروايات "ما نيل منه شيء قط، فينتقم من صاحبه" و"نيل" بكسر النون، مبني للمجهول، أي ما أصيب بأذى من قول أو فعل، وقد استشكل عليه أمره بقتل عقبة بن أبي معيط وعبد الله بن خطل، وغيرهما ممن كان يؤذيه، ولتفادي هذا الإشكال وضع بعضهم قيدا، فقال: وما انتقم لنفسه خاصة، أما هؤلاء فقد كانوا ينتهكون محارم الله مع إيذائه، أو أن إيذاءه كان من حيث هو رسول الله، فهو انتهاك لمحارم الله، لذا لم ينتقم لنفسه من الأعرابي الذي جفا في رفع صوته عليه، ولا من الذي جذبه بردائه، حتى أثر في كتفه.
وحمل الداودي عدم الانتقام على ما يختص بالمال، قال: وأما العرض فقد اقتص ممن نال منه، قال: واقتص ممن لده في مرضه، بعد نهيه عن ذلك، حيث أمر بلدهم، مع أنهم كانوا في ذلك متأولين، بأنه إنما نهاهم بسبب كراهة النفس للدواء، بحكم العادة البشرية. كذا قال: وفيه نظر.
-[فقه الحديث]-
-[ويؤخذ من الحديث]-
١ - الحث على ترك الأخذ بالعسير من الأمور.
٢ - والاقتناع باليسير.
٣ - وترك الإلحاح فيما لا يضطر إليه.
٤ - والندب إلى الأخذ بالرخص، ما لم يظهر الخطأ.
٥ - والحث على العفو، إلا في حقوق الله تعالى.
٦ - والندب إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال الحافظ ابن حجر: ومحل ذلك ما لم يفض إلى ما هو أشد منه.