من الوحي. وساق الحديث بمثل حديث يونس غير أنه قال: فوالله لا يحزنك الله أبدا. وقال: قالت خديجة: أي ابن عم! اسمع من ابن أخيك.
٢٧٩ - عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها قالت: فرجع إلى خديجة يرجف فؤاده. واقتص الحديث بمثل حديث يونس ومعمر ولم يذكر أول حديثهما. من قوله: أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة. وتابع يونس على قوله "فوالله لا يخزيك الله أبدا" وذكر قول خديجة "أي ابن عم اسمع من ابن أخيك".
-[المعنى العام]-
لقد حبب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخلاء والعزلة، والبعد عن الأوثان والرجس، فكان يهرب بنفسه إلى جبل قريب من مكة، وفي فجوة من فجواته، وكهف من كهوفه وغار من غيرانه، يسمى غار حراء، كان يخلو ويتعبد، ويتفكر في الإله الخالق المدبر، ويأسف لقومه الذين يعبدون ما لا ينفع ولا يضر، ولا يغني عن الحق شيئا.
لقد رحل في تجارته إلى الشام، والتقى في طريقه ببعض الرهبان، وبشروا به عمه، وأوصوه به خيرا، إنه يطمع فيما قاله الرهبان أن نبيا من العرب يبعث في آخر الزمان، لقد شهد العرب له بالأمانة والصدق، وشهد له معارفه بمكارم الأخلاق، فلم لا يكمل نفسه، ولم لا يطرق باب التبتل، ولو شهرا من كل عام، لقد اختار شهر رمضان -أو هكذا ألهمه ربه- ليكون شهر التعبد في غار حراء، فكان يأخذ زاد أيام، وماذا عساه أن يكون الزاد؟ إنه لقيمات وتمرات وقليل من اللبن، يأكل منه ما تيسر، ويطعم منه ابن السبيل، ويمنح بقاياه للطيور، ثم يعود إلى مكة وإلى زوجه خديجة، ليأخذ زادا جديدا لمدة جديدة، وإنها لنعمت الزوج، لم تكن تقدم مصلحتها ولا مصلحة بناتها عليه فتطلب منه بقاءه بجوارها، ولم تكن تتقاعس عن تزويده بما يريد، بل كانت عونا له وسندا، تسارع بإعداد زاده، وتحمله عنه خطوات تودعه بها متمنية أن لو كانت بجواره في الغار، لولا بناتها الصغيرات، وكان التبتل عنده صلى الله عليه وسلم فوق مطالب النفس، وشهوة الجسد، فكان ما أسرع أن يودع أهله، ليعيش في خلوته وعزلته، حتى إذا فقد زاده عاد فتزود حتى ينتهي آخر شهر رمضان، فينزل ليعيش بين أهله، إلى شهر رمضان من العام الآخر، وهكذا لقد صفت نفسه، واستنارت مرآة بصيرته، فكانت الرؤيا الصادقة بشرى من بشريات الله، ومقدمة من مقدمات الوحي، فكان صلى الله عليه وسلم لا يرى رؤيا إلا جاءت واضحة صادقة مثل ضوء الصبح.
وفي خلوة من خلواته بغار حراء سمع صوتا يقول له: اقرأ. ماذا يقرأ وليس أمامه كتاب ولا