للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مكتوب؟ وكيف يقرأ وهو أمي، لا يعرف القراءة؟ قال للصوت متعجبا مجيبا: ما أنا بعارف للقراءة، وشعر بشيء يضمه ويضغط عليه، حتى لتكاد ضلوعه تتداخل، وحتى ليكاد نفسه يضيق، ثم أطلق وتنفس الصعداء، وسمع الصوت ثانيا يقول له: اقرأ. وأجاب بنفس الجواب الأول: ما تعلمت القراءة، وشعر ثانية بالضغط الشديد، ثم أطلق وسمع الصوت يقول له: اقرأ قال: ما أنا بقارئ، فشعر بالضغط ثالثة، ثم أطلق، وسمع الصوت يقول: {اقرأ باسم ربك الذي خلق} الذي خلقك وخلق القوى والقدر {خلق الإنسان من علق} فسواه في أحسن تقويم {اقرأ وربك الأكرم} كرمك بالشرف والنبوة، وبالقدرة على القراءة وإن كنت أميا، فهو {الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم} [العلق: ٤ - ٥].

وسكت الصوت، والتفت الرسول صلى الله عليه وسلم حوله فلم ير شيئا، لقد فزع في مكانه الموحش وارتعدت فرائصه، ونفرت عروقه، وهرول إلى خديجة يستنجد برأيها السديد، ويشكو لها ما به، ويحكي لها ما رأى: يقول لها: إني أخاف على نفسي، إن ما أجد فوق طاقة البشر، إنني أخشى ألا أطيق، قالت له خديجة: أبشر ولا تخف، إنك تتحلى بكريم الصفات: تصل الأقارب، وتساعد المحتاج وتكرم الضيف، وتعين المنكوب، أبشر فمثلك لا يخزيه الله أبدا.

وفكرت فيما تفسر به ما رأى وما حكى؟ وماذا عساها تفسر له ما لم يسبق لعلمها مثله؟ لكنها تطمئن إلى أن التفسير عند ابن عمها ورقة بن نوفل. الرجل المثقف. القارئ والكاتب بالعربية والعبرانية، المطلع على الكتب المنزلة، المهتدي إلى النصرانية الصحيحة قبل تحريفها، ذهبت إليه وحدها، وحكت له قصة زوجها، فقال لها: إنه النبي المنتظر الذي نقرأ عنه في التوراة والإنجيل، والذي يحذر اليهود والنصارى أبناءهم منه، والذي محا الأساقفة ذكره من الكتب المنزلة خوفا على سلطتهم.

وعادت خديجة لتصحب زوجها إلى ابن عمها، ليسمع كل من الآخر.

قالت له: يا ابن عم. اسمع من ابن أخيك.

فقال ورقة: قال يا ابن أخي، ماذا ترى؟ فقص عليه ما رأى.

قال ورقة: أبشر، هذا أمين الوحي، وصاحب السر، الذي أنزله الله على موسى، يا ليتني أبقى حيا إلى أن يحاربك قومك ويخرجوك من بلدك، وفزع صلى الله عليه وسلم لخبر إخراجه من أحب بلد إلى نفسه. فقال: أيصل بهم عدائي إلى إخراجي؟ قال: نعم. ما جاء أحد بمثل ما جئت به إلا عاداه قومه، وإن يدركني يوم إخراجك أنصرك نصرا عظيما، نصرا لا يعادله نصر، وكان ورقة شيخا كبيرا قد عمي، فلم يلبث بعد هذا الحديث إلا قليلا حتى توفي.

-[المباحث العربية]-

(كان أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي) "أول" اسم "كان" وخبرها "الرؤيا

<<  <  ج: ص:  >  >>