الصادقة" والوحي لغة الإعلام في خفاء، وقيل: أصله التفهيم، وكل ما دللت به من كلام أو كتابة أو إشارة فهو وحي. وشرعا الإعلام بالشرع، وهو المقصود في الحديث الذي معنا. وقد يطلق الوحي ويراد به اسم المفعول منه أي الموحى به. وهو كلام الله، كما يطلق ويراد به الواسطة النازلة للإعلام. وهو جبريل عليه السلام حامل الوحي، ومنه حديث "كيف يأتيك الوحي؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس، وهو أشده علي فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال ... " الحديث.
و"من" في قولها "من الوحي" تبعيضية، أي من أقسام الوحي، ويحتمل أن تكون بيانية.
(الرؤيا الصادقة في النوم) قال الراغب: الرؤية بالهاء: إدراك المرء بحاسة البصر، وتطلق على ما يدرك بالتخيل، نحو أرى أن زيدا ما سفر. وعلى التفكر النظري نحو "إني أرى ما لا ترون" وعلى الرأي. اهـ والرؤيا بالقصر: ما يراه الشخص في منامه، وعليه فقولها "في النوم" صفة كاشفة لزيادة الإيضاح، وقال بعض العلماء، قد تجيء الرؤيا بمعنى الرؤية، كقوله تعالى:{وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس}[الإسراء: ٦٠] فزعم أن المراد بها ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء من العجائب، وكان الإسراء جميعه في اليقظة.
قال الحافظ ابن حجر: وعكس بعضهم، فزعم أنه حجة لمن قال: إن الإسراء كان مناما، والأول هو المتعمد، وتتمة الكلام عن أقسام الوحي وحقيقة الرؤيا تأتي في فقه الحديث.
وفي رواية البخاري "الصالحة" بدل "الصادقة" قال النووي: وهما بمعنى واحد، قال الحافظ ابن حجر: هما بمعنى واحد بالنسبة إلى أمور الآخرة في حق الأنبياء، وأما بالنسبة إلى أمور الدنيا فبينهما عموم وخصوص. اهـ. فالصادقة هي التي تقع بعينها أو بتعبير، ورؤيا الأنبياء كلها كذلك، أي ليست أضغاث أحلام. والصالحة هي التي تسر، وليست رؤيا الأنبياء كلها كذلك في أمور الدنيا.
(مثل فلق الصبح) بنصب "مثل" على الحال، أي مشبهة ضياء الصبح، أو على أنه صفة لمصدر محذوف، أي جاءت مجيئا مثل فلق الصبح، والمراد بفلق الصبح ضياؤه، وخص بالتشبيه لظهوره الواضح الذي لا شك فيه، ويقال فيه: فرق الصبح بالراء.
(ثم حبب إليه الخلاء) "حبب" بالبناء للمجهول، لعدم تحقق الباعث على ذلك، والخلاء بالمد المكان الخالي، ويطلق على الخلوة وهو المراد هنا، والتعبير بثم ظاهر في أن تحبيب الخلوة متأخر عن الرؤيا الصادقة، ويحتمل أن تكون لترتيب الأخبار، فيكون تحبيب الخلوة سابقا على الرؤية الصادقة، والأول أظهر.
(فكان يخلو بغار حراء) الغار: الكهف والنقب في الجبل، والغار والمغارة بمعنى واحد.
و"حراء" بكسر الحاء وتخفيف الراء وبالمد مصروف، علم مذكر، هذا هو الصحيح. وقال القاضي عياض: فيه لغتان: التذكير والتأنيث، والتذكير أكثر، فمن ذكره صرفه، ومن أنثه أراد البقعة أو الجهة التي فيها الجبل، ولم يصرفه للعلمية والتأنيث.