و"حراء" جبل بينه وبين مكة نحو ثلاثة أميال عن يسار الذاهب من مكة إلى منى.
(يتحنث فيه- وهو التعبد- الليالي أولات العدد) التحنث: التعبد وأصل الحنث الإثم، فمعنى "يتحنث" يتجنب الحنث، فكأنه بعبادته يمنع نفسه من الحنث، ومثله يتحرج يتجنب الحرج، و"الليالي" منصوب على الظرفية، متعلق بيتحنث لا بالتعبد، تفسير للتحنث صادر من الزهري الراوي، و"أولات" منصوب بالكسرة صفة لليالي، وأولات العدد أي الليالي الكثيرة، وإبهام العدد لاختلافه من فترة إلى أخرى.
(قبل أن يرجع إلى أهله) أي زوجه خديجة وأولاده منها، أي كان يتعبد بعض الليالي، ثم يرجع إلى بيته.
(ويتزود لذلك) أي للتحنث فترة أخرى، والتزود استصحاب الزاد.
(ثم يرجع إلى خديجة) أي بعد التحنث فترة أخرى ليالي ذوات العدد.
(فيتزود لمثلها) لمثل الليالي ذوات العدد، ويحتمل أن يكون الضمير للمرة أو الفعلة أو الخلوة أو العبادة، والأول أقرب.
(حتى فجئه الحق) "حتى" هنا على بابها من انتهاء الغاية، أي انتهى توجهه لغار حراء مؤقتا بمجيء الملك، فترك ذلك، بقية شهر رمضان لانزعاجه، وليس معنى هذا أنه انقطع عن الذهاب إلى الغار نهائيا، بل إنه ذهب إليه في الغار بعد ذلك كما سيفهم من شرح الحديث التالي و"فجئه" بفتح الفاء وكسر الجيم ثم همزة، أي جاءه الوحي بغتة، قال النووي: فإنه صلى الله عليه وسلم لم يكن متوقعا للوحي. وفي الكلام مضاف محذوف، قال الطيبي: أي أمر الحق، وهو الوحي، أو رسول الحق، وهو جبريل، وقيل الأمر البين الظاهر، أو المراد حتى جاءه الملك بالحق، أي بالأمر الذي بعث به.
(وهو في غار حراء) جملة في محل النصب على الحال وهي تفيد رفع توهم من يظن أن الملك لم يدخل إليه الغار، وأنه كلمه من الخارج والنبي صلى الله عليه وسلم بالداخل.
(فجاءه الملك) أي جبريل، لا خلاف في ذلك، وهل كان صلى الله عليه وسلم يعرف حين جاءه أنه الملك جبريل؟ أو أخبر وقت ذاك بأنه جاءه جاء، والتعبير عنه بالملك من لفظ عائشة، وقصدت به ما تعهده، وما عرف بعد بأنه جبريل؟ .. قولان.
والفاء في "فجاءه" تفسيرية، وليست تعقيبية، لأن مجيء الملك ليس بعد مجيء الوحي، بل هو نفسه، والتفسير عين المفسر من جهة الإجمال، وغيره من جهة التفصيل.
(فقال: اقرأ) قيل: يحتمل أن تكون صيغة الأمر محذوفة، أي قل: اقرأ، وأن مراد جبريل بهذا أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم لفظ "اقرأ" وإنما لم يقل له. قل اقرأ إلى آخره لئلا يظن أن لفظة "قل" قرآن. قال الحافظ ابن حجر: ويحتمل أن يكون السر فيه الابتلاء في أول الأمر حتى يترتب عليه ما وقع من