افتقدت الحوت فارجع فإنك ستلقاه. فسار موسى ما شاء الله أن يسير. ثم قال لفتاه {آتنا غداءنا} فقال فتى موسى حين سأله الغداء {أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره} فقال موسى لفتاه {ذلك ما كنا نبغي فارتدا على آثارهما قصصا} فوجدا خضرا. فكان من شأنهما ما قص الله في كتابه" إلا أن يونس قال: فكان يتبع أثر الحوت في البحر.
٥٣٧٠ - عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن أبا بكر الصديق حدثه قال: نظرت إلى أقدام المشركين على رءوسنا، ونحن في الغار، فقلت: يا رسول الله! لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه. فقال: "يا أبا بكر! ما ظنك باثنين الله ثالثهما".
-[المعنى العام]-
يقول الله تعالى {الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس}[الحج: ٧٥] فالرسل عليهم السلام صفوة بني آدم، لأنهم الوسطاء بين الله وبين خلقه، يبلغون عن الله ما يشاؤه جل شأنه، ومن شأن الوسيط أن يكون على صورة محبوبه، حتى يتقبله الطرف المأمور، صورة عالية كريمة شريفة خلقيا وخلقيا، وهكذا كانت الرسل في مناقبهم، ولكل رسول ميزة خاصة، لا يلزمها أن يكون أعلى من زملائه من الرسل، فالخصوصية لا تقتضي الأفضلية، كما يقولون، لكن بعضهم امتاز بخصوصيات تفوق خصوصيات سواه، ومع ذلك فلا يلزم أن يكون أعلى رتبة عند ربه، ومن هنا حرص صلى الله عليه وسلم أن يوصي بعدم المفاضلة بين الرسل، فقال: لا تفاضلوا بين الأنبياء، بل نهى أن تفضله أمته على أحد من الرسل، فقال: لا تفضلوني على الأنبياء، وذلك على الرغم مما أوحي إليه من أنه سيد ولد آدم، وعلى الرغم من أنه صلى الله عليه وسلم أعلن هذه السيادة لأصحابه، إذ فرق بين أن يكون الإنسان سيدا في نفسه، وبين أن يسيد نفسه، أو حبيبه في كل مجلس، فرق بين ثبوت صفات الفضل في ذاتها، وبين أن يتباهى بها أهلوها، فحين قال اليهودي: والذي فضل موسى على العالمين لطمه المسلم، وقال: وعلى محمد؟ وحين شكا اليهودي اللطمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لام المسلم، وذكر أفضلية لموسى عليه السلام، وأنه أول من يفيق من الصعقة يوم القيامة، وقال: لا تفضلوني على موسى، حتى الرسول الذي لا نعرف له كثير ميزات كان صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نفضله عليه، فهو يقول: لا ينبغي لمسلم أن يقول: إن محمدا خير من يونس بن متى، وكان كثيرا ما يدفعه هذا التواضع إلى الثناء على غيره من الرسل، فحين سئل: من أكرم الناس؟ قال يوسف بن نبي الله يعقوب، ابن نبي الله إسحق، ابن نبي الله وخليله إبراهيم عليه السلام.