ومن هنا عنى علماء الإسلام بإبراز فضائل الرسل، عناية لا تقل عن عنايتهم بإبراز فضائل رسولهم، فأفاضوا في عرض خصائص موسى عليه السلام، وهم في ذلك سائرون على نهج القرآن الكريم، الذي أفاض في أحداث قصص موسى عليه السلام إفاضة لا تماثلها إفاضة لأحد من الرسل.
وفي هذا الباب ذكر الإمام مسلم لموسى عليه السلام قصة الحجر الذي جرى بثيابه، لبراءة موسى مما اتهمه به قومه، وقصة ملك الموت، وما جرى له مع موسى، وقصة اليهودي الذي حلف برب موسى، وقصة رؤية محمد صلى الله عليه وسلم في إسرائه موسى عليه السلام يصلي، وقصة موسى مع الخضر عليهما السلام، وفي شرحهما ما يغني عن تكراره هنا.
وزاد الإمام البخاري على ذلك قصة ندائه من جانب الطور، وقصة أمه، وقد أصبح فؤادها فارغا، وقصة شد عضده بأخيه هارون، وقصة وعد موسى ثلاثين ليلة، وقصة أمره قومه أن يذبحوا بقرة، وقصة احتجاج آدم وموسى بخصوص القدر والخطيئة.
فصلى الله وسلم وبارك على جميع رسله، لا نفرق بين أحد منهم، ونحن لله مسلمون.
-[المباحث العربية]-
(كانت بنو إسرائيل يغتسلون عراة) أي جماعتهم وأكثرهم، أو بعضهم، كقوله تعالى {قالت الأعراب آمنا}[الحجرات: ١٤] والمراد يغتسلون جماعات في مكان واحد، فسر ذلك بقوله:
(ينظر بعضهم إلى سوءة بعض) الظاهر أن ذلك كان غير محرم عندهم.
(وكان موسى عليه السلام يغتسل وحده) لئلا يرى سوءته أحد استحياء وأدبا. ففي الرواية الثانية "كان موسى عليه السلام رجلا حييا، قال: فكان لا يرى متجردا".
(فقالوا: والله ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إلا أنه آدر) أي قال بعض بني إسرائيل المحيطون به، القريبون من حياته، في الرواية الثانية "قال: فقال بنو إسرائيل: إنه آدر" أي بعض بني إسرائيل، والآدر بهمزة ممدودة ثم دال مفتوحة، وهو عظيم الخصيتين، والأدرة بضم الهمزة وسكون الدال على المشهور، وبفتحتين أيضا فيما حكي، ورجح الأول وهو نفخة في الخصية، وعند البخاري "إن موسى كان رجلا حييا ستيرا، لا يرى من جلده شيء، استحياء منه، فآذاه من آذاه من بني إسرائيل، فقالوا: ما يستتر هذا التستر، إلا من عيب بجلده إما برص وإما أدرة، وإما آفة".
(فذهب مرة يغتسل) حال مقدرة، أي يريد الاغتسال، في الرواية الثانية "فاغتسل عند مويه" فيه مجاز المشارفة، أي فأراد الاغتسال وأشرف عليه، و"مويه" بضم الميم، وفتح الواو، وإسكان الياء وهو تصغير ماء، وأصله "موه" والتصغير يرد الأشياء إلى أصولها. قال القاضي: وقع في معظم الروايات "مشربة" بفتح الميم وإسكان الشين، وهي حفرة في أصل النخلة، يجمع الماء فيها لسقيها، قال القاضي: وأظن الأول تصحيفا.
(فوضع ثوبه على حجر) وفي رواية للبخاري "فخلا يوم وحده، فوضع ثيابه على الحجر"