(لما توفي عبد الله بن أبي ابن سلول)"أبي" بضم الهمزة وفتح الباء وتشديد الياء، قال النووي: هكذا صوابه، ويكتب "ابن سلول" بالألف، ويعرب بإعراب "عبد الله" فإنه وصف ثان له لأنه عبد الله بن أبي وهو عبد الله ابن سلول أيضا، فأبي أبوه، "وسلول" أمه فنسب إلى أبويه جميعا، ووصف بهما، وكانت وفاته - كما ذكر الواقدي - بعد منصرفهم من تبوك، في ذي القعدة سنة تسع، وكان قد تخلف هو ومن تبعه عن غزوة تبوك وفيهم نزل قوله تعالى {لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا}[التوبة: ٤٧].
(جاء ابنه عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) كان عبد الله بن عبد الله بن أبي من فضلاء الصحابة وشهد بدرا وما بعدها واستشهد يوم اليمامة، في خلافة أبي بكر الصديق، ومن مناقبه أنه بلغه بعض مقالات أبيه، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في قتله فقال له:"بل أحسن صحبته" ولما بلغه قول أبيه "لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل" يعني ابن أبي بالأعز نفسه، وبالأذل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف عبد الله هذا على باب المدينة بسيفه، يمنع أباه من دخولها حتى يقول: إنه الأذل ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو الأعز فقالها.
(فسأله أن يعطيه قميصه، أن يكفن فيه أباه، فأعطاه) في رواية البخاري "أن يعطيه قميصه يكفن فيه أباه، فأعطاه" وعند الطبري "لما احتضر عبد الله جاء ابنه عبد الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله! إن أبي قد احتضر، فأحب أن تشهده وتصلي عليه" وقد ورد أن عبد الله هذا فعل ذلك بعهد وطلب من أبيه، كما روي "أن النبي صلى الله عليه وسلم ذهب إليه ليشهده، فلما دخل عليه قال له: أهلكك حب يهود، فقال: يا رسول الله! إنما أرسلت إليك لتستغفر لي، ولم أرسل إليك لتوبخني، ثم سأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه، فأجابه" وعند الطبراني "لما مرض عبد الله بن أبي جاءه النبي صلى الله عليه وسلم فكلمه فقال: قد فهمت ما تقول فامنن علي، فكفني في قميصك، وصل علي، ففعل" ولم يكن ابن أبي مؤمنا، بل منافقا كافرا من أهل النار، لكنه - كما يقول الحافظ ابن حجر: أراد بذلك دفع العار عن ولده وعشيرته بعد موته، فأظهر الرغبة في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ووقعت إجابته إلى سؤاله، بحسب ما ظهر من حاله إلى أن كشف الله الغطاء عن ذلك.
(فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه، فقام عمر، فأخذ بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! أتصلي عليه، وقد نهاك الله أن تصلي عليه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما خيرني الله تعالى، فقال {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم}[التوبة: ٨٠] وسأزيد على سبعين. قال: إنه منافق) وعند البخاري عن عمر رضي الله عنه قال "لما مات عبد الله بن أبي دعى له رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت إليه، فقلت: يا رسول الله! أتصلي على ابن أبي وقد قال كذا يوم كذا وكذا وكذا؟ قال: أعدد عليه، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أخر عني يا عمر، فلما أكثرت عليه، قال: إني خيرت فاخترت ولو أني أعلم أني إن زدت على السبعين يغفر له لزدت عليها".
والإشكال هنا قول عمر "وقد نهاك الله أن تصلي عليه" ولم تكن آية {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا} لم تكن نزلت، فمن أين لعمر هذا القول؟ وعلام استند؟ لقد أقدم بعض المحدثين فرد هذه