طوافه عمد إلى مقام إبراهيم، فصلى خلفه ركعتين وقرأ الآية {وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود}[البقرة: ١٢٥] والأمر للوجوب على بعض الأقوال.
(وفي الحجاب) أي حجاب أمهات المؤمنين، وقد أخرج البخاري عن أنس رضي الله عنه قال:"قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا رسول الله، يدخل عليك البر والفاجر، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب؟ فأنزل الله تعالى آية الحجاب {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما}[الأحزاب: ٥٣]- وكان رضي الله تعالى عنه حريصا على حجابهن، وما ذاك إلا حبا لرسول الله صلى الله عليه وسلم" وعن عائشة "أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كن يخرجن بالليل، إذا برزن إلى المناصع، وكان عمر رضي الله عنه يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: احجب نساءك، فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل، فخرجت سودة بنت زمعة - رضي الله عنها، ليلة من الليالي عشاء، وكانت امرأة طويلة، فناداها عمر رضي الله عنه بصوته الأعلى: قد عرفناك يا سودة، حرصا على أن ينزل الحجاب، فأنزل الله تعالى الحجاب" وذلك إحدى موافقات عمر رضي الله عنه وأخرج نحوه مسلم وابن جرير.
وأخرج البخاري في الأدب والنسائي من حديث عائشة رضي الله عنها أنها كانت تأكل معه عليه الصلاة والسلام، وكان يأكل معهما بعض أصحابه، فأصابت يد رجل يدها، فكره النبي صلى الله عليه وسلم وقال عمر: وكان الذي أصابت إصبعه إصبعها: أوه، لو أطاع فيكن ما رأتكن عين، ونزل الحجاب، قال العلماء ولا يبعد أن يكون مجموع ما ذكر سببا للنزول، وعمر رضي الله عنه في جميعها سبب للنزول.
(وفي أسارى بدر) أسر المسلمون من كفار قريش يوم بدر سبعين رجلا، وقد روى الترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم بإسناد صحيح عن علي رضي الله عنه قال:"جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر، فقال: خير أصحابك في الأسرى إن شاءوا القتل وإن شاءوا الفداء على أن يقتل منهم عاما مقبلا مثلهم. قالوا: الفداء، ويقتل منا" وأخرج مسلم هذه القصة مطولة من حديث عمر، ذكر فيها أنه صلى الله عليه وسلم قال: ما ترون في هؤلاء الأسرى؟ فقال أبو بكر: أرى أن تأخذ منهم فدية تكون قوة لنا، وعسى الله أن يهديهم، فقال عمر: أرى أن تمكنا منهم، فنضرب أعناقهم، فإن هؤلاء أئمة الكفر، فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر" فنزل قوله تعالى {ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم* لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم}[الأنفال: ٦٧ - ٦٨] فنزل القرآن برأي عمر.
ومن موافقات عمر رضي الله عنه أنه دخل على أمهات المؤمنين، حين تحزبن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فحذرهن العواقب، وقال لهن: "عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن" فنزلت الآية على وفق ما قال. ومن موافقاته أيضا تحريم الخمر.
ومن أبرز موافقاته رضي الله عنه محاولة منع النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة على المنافقين، وستأتي القصة في روايتنا الثانية عشرة.