للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

للتأكيد، كما يقول الرجل: إن يكن لي صديق فإنه فلان يريد اختصاصه بكمال الصداقة لا نفي الأصدقاء قال الحافظ ابن حجر: وهذا وإن جاز أن يقع، لكنه نادر ممن يكون أمره منهم مبينا على اتباع الكتاب والسنة قال: وتمحضت الحكمة في وجودهم وكثرتهم بعد العصر الأول، في زيادة شرف هذه الأمة بوجود أمثالهم فيه، وقد تكون الحكمة في تكثيرهم مضاهاة بني إسرائيل في كثرة الأنبياء فيهم، فلما فات هذه الأمة كثرة الأنبياء فيها، لكون نبيها خاتم الأنبياء، عوضوا بكثرة الملهمين. اهـ. وهكذا ينحو الحافظ نحو الأولياء والكرامات والإلهامات، ولسنا معه في هذا النحو، بل نحن مع الطيبي إذ يقول: المراد بالمحدث الملهم، البالغ في ذلك مبلغ النبي في الصدق والمعنى لقد كان فيمن قبلكم من الأمم أنبياء ملهمون، فإن يكن في أمتي أحد هذا شأنه فهو عمر، فكأنه حكم بانقطاع قرينه في ذلك، ويؤيده حديث "لو كان بعدي نبي لكان عمر" فلو فيه بمنزلة "إن" أي على سبيل الفرض والتقدير وقد أخرجه أحمد والترمذي وحسنه وابن حبان والحاكم والطبراني في الأوسط.

والسبب في تخصيص عمر بذلك كثرة ما وقع له زمن النبي صلى الله عليه وسلم من الموافقات التي نزل القرآن مطابقا لها، ووقع له بعد النبي صلى الله عليه وسلم عدة إصابات.

(وافقت ربي في ثلاث) وقائع، قال الحافظ ابن حجر: والمعنى: وافقني ربي، فأنزل القرآن على وفق ما رأيت، لكن لرعاية الأدب أسند الموافقة إلى نفسه، أو أشار بذلك إلى حدوث رأيه وقدم الحكم، قال: وليس في تخصيصه العدد بالثلاث ما ينفي الزيادة عليها، لأنه حصلت له الموافقة في أشياء غير هذه، من مشهورها قصة أسارى بدر، وقصة الصلاة على المنافقين، قال: وأكثر ما وقفنا عليه منها بالتعيين خمس عشرة. اهـ.

(في مقام إبراهيم) بدل من "ثلاث" أي في طلب الصلاة في مقام إبراهيم، ومقام إبراهيم معروف الآن في المسجد الحرام، مواجه لباب الكعبة، على مسافة سبعة وعشرين ذراعا وقد أحيط بمقصورة من الزجاج، وعن أصله قيل: إنه الحجر الذي قام عليه إبراهيم حين ارتفع به بناء الكعبة، فأثرت فيه أصابع إبراهيم وعلمت وغاصت، ولكن الناس تماسحوا فيه حتى انمحى الأثر أو كاد، قيل: وكان المقام في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ملتصقا بالكعبة، ثم أخره عمر إلى مكانه الآن، لما رأى أن بقاءه يضيق على الطائفين، أو على المصلى، فوضعه في مكان يرتفع به الحرج، قالوا: وتهيأ له ذلك، لأنه الذي كان قد أشار باتخاذه مصلى، وأول من عمل عليه المقصورة. و"المقام" مفعل من القيام، يراد به المكان، أي مكان قيامه، وذهب النخعي ومجاهد إلى أن المراد من "مقام إبراهيم" في الآية الحرم كله، وذهب ابن عباس وعطاء إلى أن المراد به مواقف الحج كلها، وذهب الشعبي إلى أن المراد به عرفة ومزدلفة والجمار، ومعنى اتخاذها مصلى على هذه الآراء أن يدعى فيها، ويتقرب إلى الله تعالى عندها. والصواب الذي عليه الجمهور هو القول الأول.

وموافقة عمر رضي الله عنه في مقام إبراهيم أخرج صورتها أبو نعيم من حديث ابن عمر "أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بيد عمر، فقال: يا عمر، هذا مقام إبراهيم، فقال عمر: أفلا تتخذه مصلى؟ فقال: لم أومر بذلك، فلم تغب الشمس حتى نزلت هذه الآية {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} والأمر فيها للاستحباب، وقيل: الأمر بصلاة ركعتي الطواف عنده، لما أخرجه مسلم عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فرغ من

<<  <  ج: ص:  >  >>