(أتهبنني ولا تهبن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ) الاستفهام إنكاري توبيخي أي ما كان ينبغي لكن أن تفعلن ذلك والإنكار ليس لابتدارهن الحجاب، وإنما لرفع الصوت والمطالبة والإلحاح.
(أنت أغلظ وأفظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال النووي: الفظ والغليظ بمعنى، وهو عبارة عن شدة الخلق وخشونة الجانب، قال العلماء: وليست لفظة "أفعل" هنا للمفاضلة، بل هي بمعنى "فظ" و"غليظ" أي فليست الصيغة هنا على أصلها، الذي هو مشاركة اثنين في صفة وزيادة أحدهما عن الآخر في هذه الصفة، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ليس فيه أصل هذه الصفة، لقوله تعالى {ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك}[آل عمران: ١٥٩] فهذه الصيغة هنا من قبيل قوله تعالى {أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا}[الفرقان: ٢٤]- قال القاضي: وقد يصح حملها على المفاضلة، وأن القدر الذي منها في الرسول صلى الله عليه وسلم هو ما كان من إغلاظه على الكافرين والمنافقين، كما قال تعالى {يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم}[التوبة: ٧٣] وكان يغضب ويغلظ عند انتهاك حرمات الله. اهـ.
وقوله تعالى {ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك} نفي تلك الصفة كصفة لازمة، فلا ينافي مجرد وجودها في بعض الأحوال، فكان صلى الله عليه وسلم يغضب للحق أحيانا، ولا يواجه بالعتاب أو المؤاخذة أحيانا، أما عمر فكان يواجه بالمؤاخذة، ويبالغ في الزجر، حتى كان يضرب بالعصا.
(والذي نفسي بيده. ما لقيك الشيطان قط، سالكا فجا، إلا سلك فجا غير فجك) الفج الطريق الواسعة قال النووي: هذا محمول على ظاهره، وأن الشيطان يهرب إذا رآه، وقال عياض: يحتمل أن يكون ذاك على سبيل ضرب المثل، وأن عمر فارق سبيل الشيطان، وسلك طريق السداد، فخالف كل ما يحبه الشيطان. قال النووي: والصحيح الأول.
(قد كان يكون في الأمم قبلكم محدثون) قال العلماء: اختلف في المراد من "محدثون" بفتح الدال المشددة، اسم مفعول، أي يحدثهم الله، أو الملائكة، فقيل: ملهمون، قاله الأكثرون، قالوا: المحدث هو الرجل الصادق الظن، وهو من ألقي في روعه شيء من قبل الملأ الأعلى، فيكون كالذي حدثه غيره به وقيل: من يجري الصواب على لسانه من غير قصد، وقيل: مكلمون - بفتح اللام المشددة، تتكلم الملائكة على لسانهم وهو قريب من المعنى الأول، فهم مكلمون، لا يرون مكلما في الحقيقة فيرجع إلى الإلهام وفسره ابن التين بالتفرس وفي مسند الحميدي: المحدث الملهم بالصواب الذي يلقى على فيه، وقيل: المصيب بغير نبوة وقيل: مفهمون، بفتح الهاء المشددة فعند أحمد والترمذي "إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه".
(فإن يكن في أمتي منهم أحد، فإن عمر بن الخطاب منهم) في رواية للبخاري "لقد كان فيمن كان قبلكم من بني إسرائيل رجال يكلمون - بفتح الياء، أي يتكلمون - من غير أن يكونوا أنبياء فإن يكن في أمتي منهم أحد فعمر".
وكان الظاهر أن يقول: إن عمر منهم، بدون شك أو ترديد أو تعليق، لأن أمته صلى الله عليه وسلم أفضل الأمم، وإذا ثبت أن ذلك وجد في غيرهم، فإمكان وجوده فيهم أولى، وإنما أورده بهذا المورد