للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

نوديت فرفعت رأسي. فإذا هو على العرش في الهواء (يعني جبريل عليه السلام) فأخذتني رجفة شديدة. فأتيت خديجة فقلت: دثروني. فدثروني. فصبوا علي ماء. فأنزل الله عز وجل: {يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر} [المدثر: ١ - ٤].

٢٨٣ - عن يحيى بن أبي كثير بهذا الإسناد وقال: "فإذا هو جالس على عرش بين السماء والأرض".

-[المعنى العام]-

بعد البشرى التي بشر بها ورقة بن نوفل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه النبي المنتظر، وأن الذي جاءه هو رسول الوحي الذي نزل على الرسل السابقين، اطمأنت نفسه صلى الله عليه وسلم، وأخذ يستعد لتلقي ما يلقى عليه، وأخذ ينتظر الوحي بين الحين والحين، وأخذ يتحنث ويترقب الملك في كل خلوة من خلواته في الغار، أو في قمم الجبال وفي بطن الوادي.

ومرت الأيام والشهور، وهو على أحر من الجمر، ماذا عساه يكون سبب التأخير؟ وهل هو تأخير أو تحويل؟ إن الوساوس تهز جوانب نفسه، فتختلج منها ضلوعه، وينقبض صدره، ويخرج إلى شاهق الجبال، لعله يجد فيها عزاء، ويهبط بطن الوادي، لعله يجد عن حيرته غناء.

وكلما تملكه اليأس سمع الصوت يناديه: يا محمد، أنت رسول الله حقا، فينظر يمينه فلا يرى أحدا، وينظر شماله فلا يرى أحدا، ويرفع بصره فلا يرى أحدا، ولكنه يهدأ بعض الشيء، ويستقر بعض الاستقرار ثم لا يلبث إلا قليلا حتى تعود نفسه إلى ضيقها، فيعدو إلى الجبل فيسمع الصوت، فيعود ببعض الهدوء.

ثلاث سنوات لم يألف ما أصابه فيها من الجزع والحزن والخوف، حتى كان يوم هبط فيه إلى الوادي، بعد أن تحنث في الغار أياما، وسمع الصوت يناديه: يا محمد.

وتلفت من حوله فلم ير أحدا، وسمع الصوت ثانيا، وكأنه يصدر من فوقه فنظر إلى السماء فرأى عجبا، رأى جبريل عليه السلام بأجنحته التي خلقه الله بها، سادا ما بين الأفق، جالسا على كرسي بين السماء والأرض، فرعب من هذا المنظر الهائل، وكاد يسقط مغشيا عليه، لكنه أسرع يجري إلى خديجة، وألقى بنفسه على سريره بين يديها، قائلا: دثروني، دثروني، زملوني، زملوني. لفوني بالثياب. فدثروه وغطوه، ونزل عليه الوحي يقول: {يا أيها المدثر} مضى زمن الراحة، وجاءت المتاعب {قم} من مضجعك قيام عزم وتصميم {فأنذر} عشيرتك الأقربين، وأنذر الناس لتخرجهم من الظلمات إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>