(ولم يكمل من النساء غير مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون){إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين}[التحريم: ١١] وذكر بعضهم أنها كانت عمة موسى عليه السلام وأنها آمنت به حين سمعت بتلقف العصا إفك السحرة فعذبها فرعون.
وأخرج أبو يعلى والبيهقي بسند صحيح عن أبي هريرة "أن فرعون وتد لامرأته أربعة أوتاد في يديها ورجليها فكانت إذا تفرقوا عنها أظلتها الملائكة عليهم السلام وقالت: رب ابن لي عندك بيتا في الجنة فيكشف لها عن بيتها في الجنة" وفي رواية عند عبد بن حميد "أنه وتد لها أربعة أوتاد وأضجعها على ظهرها وجعل على صدرها رحى واستقبل بها عين الشمس" وعن الحسن "فنجاها الله تعالى أكرم نجاة فرفعها إلى الجنة فهي تأكل وتشرب وتنعم فيها" قال المفسرون: وظاهر هذه الرواية أنها رفعت بجسدها وهو لا يصح.
أما مريم ابنة عمران - ولها سورة باسمها في القرآن الكريم - فصدقت وآمنت بكلمات ربها وصحفه وبجميع كتبه من التوراة والإنجيل والزبور والقرآن وإن لم يكن قد نزل {وكانت من القانتين} ومن عداد المواظبين على الطاعة.
وأخرج الطبراني عن سعد بن جنادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله زوجني في الجنة مريم بنت عمران وامرأة فرعون وأخت موسى عليه السلام".
ولفظة الكمال تطلق على تمام الشيء وتناهيه في بابه والمراد هنا التناهي في جميع الفضائل وخصال البر والتقوى.
(وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام) يقال: ثرد الرجل الخبز بفتح الثاء والراء يثرده بضم الراء ثردا بسكونها أي فته ثم بله بمرق.
قال النووي: قال العلماء: معناه أن الثريد من كل طعام أفضل من المرق فثريد اللحم أفضل من مرقة بلا ثريد، وثريد ما لا لحم فيه أفضل من مرقه - ومعنى هذا تقييد "سائر الطعام" وجعل "أل" فيه وفي "الثريد" للعهد، أي الثريد من أي نوع أفضل من سائر طعامه ومرقه من غير فتات الخبز معه قال: والمراد بالفضيلة نفعه، والشبع منه، وسهولة مساغه والالتذاذ به وتيسر تناوله وتمكن الإنسان من أخذ كفايته منه بسرعة وغير ذلك. قال: فهو أفضل من المرق كله ومن سائر الأطعمة أي فضل عائشة على النساء زائد كزيادة فضل الثريد على غيره من الأطعمة اهـ وفي هذه العبارة الأخيرة نظر لأن من الأطعمة ما هو أفضل من الثريد في كل ما ذكره إلا أن يقال: إنه لم يكن ميسورا لهم، فالكلام جرى على حسب عادتهم وعرفهم.
وما ذكر من صفات الثريد المشبه به يقابله من صفات عائشة رضي الله عنها ما أعطيت من حسن الخلق وحلاوة المنطق وفصاحة اللهجة وجودة القريحة ورزانة الرأي ورصانة العقل والتحبب للبعل وحسبك أنه عقلت من النبي ما لم يعقل غيرها من النساء وروت عنه ما لم يرو مثله كثير من الرجال.