مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين} [الأعراف: ٥٤]{وهو الغفور الودود * ذو العرش المجيد * فعال لما يريد}[البروج: ١٤ - ١٦]{الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم}[غافر: ٧]{وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم}[الزمر: ٧٥].
واهتزاز هذا الجرم بإرادة الله تعالى أمر ممكن عقلا وشرعا، وقد فسرت طائفة اهتزازه لموت سعد بتحركه فرحا بقدوم روح سعد، سواء بالإرادة الإلهية التسخيرية، أو بإدراك وتمييز خلقه الله فيه، قال المازري: ولا مانع منه، كما قال الله تعالى {وإن منها لما يهبط من خشية الله}[البقرة: ٧٤] قال: وهذا القول هو ظاهر الحديث، فالاهتزاز على حقيقته وأن العرش تحرك لموته، وهذا لا ينكر من جهة العقل لأن العرش جسم من الأجسام، يقبل الحركة والسكون. قال: وهذا القول هو المختار اهـ وعندي أنه مستبعد جدا، إذ لم يحصل مثل هذا لنبي ولا لرسول، ولا لسيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم، وقد قال صلى الله عليه وسلم هذا القول إظهارا لفضيلة سعد، وهو لا تحصل به فضيلة سعد كما يقول ذلك المازري نفسه، حتى وإن جعل الله حركته علامة للملائكة على موته.
الرأي الثاني: أنا المراد اهتزاز أهل العرش وهم حملته من الملائكة، ففي الكلام مضاف محذوف واهتزازهم حقيقة فرحا بقدومه، وهو مستبعد أيضا بما استبعد به سابقه.
الرأي الثالث: كالثاني، إلا أن اهتزاز حملة العرش كناية عن استبشارهم بقدومه وهو كثير في لغة العرب ومنه قولهم: اهتز طربا للخبر وللمكارم لا يريدون اضطراب الجسم وحركته وإنما يريدون الارتياح والإقبال ويؤيده ما أخرجه الحاكم "إن جبريل قال: من هذا الميت الذي فتحت له أبواب السماء واستبشر به أهلها؟ "، وهذا الرأي قريب من الرأي الذي سنختاره.
الرأي الرابع: أن المراد اهتزاز سرير الجنازة على أكتاف حملته، أي اهتز عرش سعد فعند الحاكم "اهتز العرش فرحا به" وأوله البراء بن عازب فقال: اهتز العرش فرحا بلقاء الله سعدا، حتى تفسخت أعواده على عواتقنا، وقال ابن عمر: يعني عرش سعد الذي حمل عليه وعند الترمذي عن أنس قال: "لما حملت جنازة سعد بن معاذ قال المنافقون: ما أخف جنازته فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الملائكة كانت تحمله".
قال النووي: وهذا القول باطل ويرده صريح هذه الروايات التي ذكرها مسلم اهتز لموته عرش الرحمن" قال: وإنما قال هؤلاء هذا التأويل لكونهم لم تبلغهم هذه الروايات التي في مسلم، وقال الحاكم: الأحاديث التي تصرح باهتزاز عرش الرحمن مخرجة في الصحيحين، وليس لمعارضها في الصحيح ذكر.
الرأي الخامس: قريب من الرابع: إلا أنه جعل الاهتزاز لحملة السرير فرحا بقدومه على ربه.
الرأي السادس: وهو الذي نختاره أن اهتزاز عرش الرحمن كناية عن تعظيم أمر وفاة سعد والعرب تنسب الشيء المعظم إلى أعظم الأشياء فيقولون: أظلمت الأرض لموت فلان وقامت القيامة لموت فلان وبكت عليه السماء والأرض، والله أعلم.
(أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم حلة حرير) في ملحق الرواية "أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بثوب حرير"