أحد، جاءوا به مغطى فحاول ابنه أن يكشف وجهه فمنعوه لئلا يزداد حزنا وغيظا حين يراه ممثلا به وبكت عليه أخته بصوت وبكى ابنه جابر وبكى فقال صلى الله عليه وسلم:"ابكوا عليه أو لا تبكوا عليه فما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى دفنتموه" يقول جابر: فجعلت أبكي وجعل القوم ينهوني ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينهاني ودفن هو وعمرو بن الجموح في قبر واحد، وكان عمرو بن الجموح زوجا لأخته هند بنت عمرو بن حرام، وكان القبر في جانب السيل فجرف السيل القبر وانكشف ما فيه، فحفر جابر لأبيه قبرا آخر، ونقله إليه بعد ستة أشهر من دفنه يقول جابر: فوجدا لم يتغيرا، كأنهما ماتا بالأمس، وكان أحدهما قد وضع يده على جرحه فدفن وهو كذلك فأميطت يده عن جرحه ثم أرسلت فرجعت كما كانت يقول جابر: فما أنكرت من أبي شيئا إلا شعرات من لحيته كانت مستها الأرض.
وظل جابر منكسرا، فقد ترك له أبوه دينا وعيالا أخوات بنات قام عليهن بعد أبيه مما اضطره إلى أن يتزوج ثيبا، ترعى شئونهن، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبه، ويعطف عليه، ويسامره، قال له يوما:"أفلا أبشرك يا جابر؟ أفلا أبشرك بما لقي الله به أباك؟ " قال جابر: بلى يا رسول الله. قال:"إن الله أحيا أباك وكلمه كفاحا وما كلم أحد قط إلا من وراء حجاب فقال لأبيك: عبدي تمن أعطك. قال: يا رب. تردني إلى الدنيا فأقتل فيك ثانية فقال الرب تعالى ذكره: إنه سبق مني {أنهم إلينا لا يرجعون}[القصص: ٣٩] قال: يا رب، فأبلغ من ورائي، فأنزل الله {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون} "[آل عمران: ١٦٩].
شهد جابر مع النبي صلى الله عليه وسلم ثماني عشرة غزوة، ولم يشهد بدرا، ولا أحدا مقاتلا، لصغره فقد روي عنه أنه قال: لم أشهد بدرا ولا أحدا، منعني أبي فلما قتل لم أتخلف وقيل: إنه كان ينقل الماء لأصحابه يوم بدر.
واشترى منه رسول الله صلى الله عليه وسلم جمله الضعيف، ونقده ثمنه وأعاده إليه في قصة سبقت في باب بيع البعير واستثناء ركوبه وشهد صفين مع علي رضي الله عنهما وكف بصره في آخر عمره وتوفي سنة ثمان وسبعين بالمدينة وكان من المكثرين من رواية الحديث وكان له حلقة في المسجد النبوي يؤخذ عنه العلم، رضي الله عنه وعن أبيه عبد الله وعن الصحابة أجمعين.
-[المباحث العربية]-
(جيء بأبي مسجى) أي مغطى، يقال: سجا الشيء يسجو سجوا سكن، وسجا الليل وسجا البحر وسجت الريح، وسجا الناس الميت، بتخفيف الجيم، وسجى الناس الميت بتشديدها غطوه.
(وقد مثل به) بضم الميم وتشديد الثاء المكسورة، مبني للمجهول وبضم الميم وكسر الثاء مخففة والاسم المثلة، أما مثل بتشديد الثاء فهو للمبالغة، قال النووي: والرواية هنا بتخفيف الثاء المكسورة، ومثل بالقتيل إذا قطع أطرافه أو أنفه أو أذنه أو مذاكيره أو نحو ذلك، وفي رواية حماد