(وأن طريق تجارتكم إلى الشام عليهم) فاحسبوا حسابا لعصبية قومه له، وتعرضهم في الطريق لتجارتكم.
(فأنقذه منهم ثم عاد من الغد بمثلها) عاد أبو ذر في اليوم الثاني ففعل مثل ما فعل بالأمس وثاروا إليه مثل الأمس، وأنقذه منهم العباس كالأمس.
-[فقه الحديث]-
نجد أنفسنا أمام روايتين عن إسلام أبي ذر، الأولى وملحقاها عن عبد الله بن الصامت، عن أبي ذر، والثانية عن ابن عباس، واقتصر عليها البخاري، وبينهما تعارض وتعارض أو تغاير كثير قال عنه القرطبي: في التوفيق بين الروايتين تكلف شديد وقال الحافظ ابن حجر: حديث عبد الله بن الصامت أكثره مغاير لما في حديث ابن عباس ويمكن التوفيق بينهما اهـ.
والعلماء إذا صح حديثان ظاهرهما التعارض حاولوا - قدر إمكانهم - التوفيق والجمع بينهما قبل أن يرجحوا أحدهما على الآخر، لأن في الجمع بينهما عملا بهما معا بوجه من الوجوه أما الترجيح فيعمل بأحدهما ويهمل الآخر والعمل بهما أولى من إهمال أحدهما. وسنحاول بيان أوجه المغايرة ونحاول الجمع والتوفيق، والله المستعان.
أولا: في الرواية الأولى أن لقاء أبي ذر رضي الله عنه بالنبي صلى الله عليه وسلم كان بعد قصة المرأتين وبعد أن استلم النبي صلى الله عليه وسلم الحجر وطاف البيت هو وصاحبه ثم صلى ركعتين خلف المقام.
وهذا لا يلتئم مع ما جاء في الرواية الثانية من أن لقاء أبي ذر بالنبي صلى الله عليه وسلم كان عن طريق دخوله عليه مع علي، بعد ضيافته ثلاثة أيام.
ثانيا: أن الذي استضافه في الرواية الأولى أبو بكر رضي الله عنه بإذن من النبي صلى الله عليه وسلم بعد لقائه وكان الزبيب الذي قدمه له أول طعام أكله بمكة وهذا لا يلتئم مع ما جاء في الرواية الثانية من أن الذي استضافه علي رضي الله عنه وكانت ضيافته له قبل لقائه بالنبي صلى الله عليه وسلم.
ثالثا: في الرواية الأولى أن أبا ذر حينما وصل مكة استضعف رجلا، فسأله عن النبي صلى الله عليه وسلم، فأغرى به السفهاء فضربوه، حتى علاه الدم ثم قضى أياما لا يأكل ولا يشرب إلا ماء زمزم وهذا لا يلتئم مع ما جاء في الرواية الثانية من أن أبا ذر حين قدم مكة أتى المسجد وكره أن يسأل عن النبي صلى الله عليه وسلم حتى أدركه الليل فاضطجع فرآه علي فاستضافه.
رابعا: في الرواية الأولى أن أبا ذر لم يكن له طعام في الأيام الأولى من وصوله إلى مكة سوى زمزم وهذا لا يلتئم مع ما جاء في الرواية الثانية من أن أبا ذر عند سفره إلى مكة حمل معه زاده وقربة ماء وكان يحمل معه قربته وزاده كلما غدا إلى المسجد في الصباح، بعد مبيته عند علي.
خامسا: ذكرت قصة المرأتين في الرواية الأولى دون الثانية وذكرت قصة العباس في الرواية الثانية دون الأولى.