تؤذوا حسانا، فإنه كان ينصر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلسانه، وتقول: ما سمعت بشيء أحسن من شعر حسان، وما تمثلت به إلا رجوت له الجنة. ولما قيل لها: تدعين مثل هذا يدخل عليك، وقد أنزل الله تعالى {والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم}[النور: ١١] قالت: وأي عذاب أشد من العمى، وفي رواية "أليس أصابه عذاب عظيم؟ أليس قد ذهب بصره، وكسع بالسيف"، تعني ضربة السيف التي ضربه إياها صفوان، حين بلغه أنه يتكلم في ذلك.
٢ - وفي الحديث جواز هجو الكفار، ما لم يكن أمان، ولا غيبة فيه، فقد أمر صلى الله عليه وسلم بهجائهم، وطلبه من أصحابه، واحدا بعد واحد، وكان القصد النكاية في الكفار، وقد أمر الله تعالى بالجهاد في الكفار، والإغلاظ عليهم، وكان هذا الهجو أشد عليهم من الرمي بالنبال، فكان مندوبا لذلك، مع ما فيه من كف أذاهم، وبيان نقصهم، والانتصار للمسلمين بهجائهم.
قال النووي: قال العلماء: ينبغي ألا يبدأ المسلمون المشركين بالسب والهجاء، مخافة من سبهم الإسلام وأهله، قال تعالى:{ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله، فيسبوا الله عدوا بغير علم}[الأنعام: ١٠٨] ولتنزيه ألسنة المسلمين عن الفحش، إلا أن تدعو إلى ذلك ضرورة لابتدائهم به، ككف أذاهم، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
٣ - قال النووي: وفيه جواز إنشاد الشعر في المسجد، إذا كان مباحا، واستحبابه إذا كان في مدح الإسلام وأهله، أو في هجاء الكفار، والتحريض على قتالهم، أو تحقيرهم ونحو ذلك.
وأما حديث "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تناشد الأشعار في المساجد" فهو وإن رواه الترمذي وحسنه فيجمع بينه وبين حديثنا بأن يحمل النهي على تناشد أشعار الجاهلية والمبطلين، والمأذون فيه ما سلم من ذلك، وقيل: المنهي عنه ما إذا كان التناشد غالبا على المسجد، حتى يتشاغل به من فيه. والله أعلم.
٤ - وفيه استحباب الدعاء لمن قال شعرا من هذا النوع.
٥ - وفيه جواز الانتصار من الكفار، ويجوز الانتصار أيضا من غير الكفار بشروطه.