فاشتراه أبو بكر بسبع أواق، وأعتقه، ثم كان مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخازن بيت المال وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاهد كلها، ولما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مؤذن أبي بكر وخازن بيت ماله، لكنه استأذنه في أن يخرج للجهاد، وروى لأبي بكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه قال له:"يا بلال، ليس عمل أفضل من الجهاد في سبيل الله"، فقال أبو بكر: بل تكون عندي، فقال: إن كنت أعتقتني لنفسك فاحبسني، وإن كنت أعتقتني لله عز وجل، فذرني أذهب إلى الله عز وجل، فقال: اذهب، فذهب إلى الشام، وطلبه عمر أن يؤذن له، فاعتذر، فقال له: ما يمنعك أن تؤذن لي؟ قال: إني أذنت لرسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قبض، وأذنت لأبي بكر لأنه ولي نعمتي، وأريد الجهاد في سبيل الله، فتركه، وبقي في الشام حتى مات بها في طاعون عمواس سنة عشرين، وهو ابن ثلاث وستين سنة، ودفن بحلب.
وأما صهيب بن سنان: من العرب، من النمر بن قاسط، كان أبوه سنان بن مالك عاملا لكسرى على الأيلة، وكانت منازلهم بأرض الموصل، في قرية على شط الفرات، فأغارت الروم على تلك الناحية، فسبت صهيبا، وهو غلام صغير، فنشأ صهيب بالروم، فصار ألكن، فاشترته منهم قبيلة كلب، ثم قدمت به مكة، فاشتراه عبد الله بن جدعان، فأعتقه، فأقام معه بمكة، حتى هلك عبد الله بن جدعان، وبعث النبي صلى الله عليه وسلم، فأسلم هو وعمار في يوم واحد، بعد بضعة وثلاثين رجلا، يروى عن عمار بن ياسر أنه قال: لقيت صهيب بن سنان على باب دار الأرقم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم فيها، فقلت له، ما تريد؟ فقال لي: ما تريد أنت؟ فقلت: أردت الدخول إلى محمد صلى الله عليه وسلم، فأسمع كلامه، قال: فأنا أريد ذلك، قال: فدخلنا عليه، فعرض علينا الإسلام، فأسلمنا، ثم مكثنا يومنا، حتى أمسينا، ثم خرجنا مستخفين، ولما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة لحقه صهيب، فتبعه نفر من قريش: ليردوه فقال: يا معشر قريش إني من أرماكم، ولا تصلون إلي حتى أرميكم بكل سهم معي، ثم أضربكم بسيفي، قالوا: لا تفجعنا بنفسك ومالك. قال: إن كنتم تريدون مالي دللتكم عليه، فرضوا، وتعاهدوا، فدلهم، فرجعوا، فأخذوا ماله، فلما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ما زال بقباء، أخبره الخبر، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"ربح البيع أبا يحيى". فأصبح يكنى أبا يحيى، وأنزل الله تعالى في أمره {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله}[البقرة: ٢٠٧] وقال صلى الله عليه وسلم: "صهيب سابق الروم، وسلمان سابق فارس، وبلال سابق الحبشة".
وروي عن صهيب أنه قال:"لم يشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مشهدا قط إلا كنت حاضره، ولم يبايع بيعة قط إلا كنت حاضره، ولم يسر سرية قط إلا كنت حاضرها، ولا غزا غزوة إلا كنت فيها عن يمينه أو شماله، وما جعلت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيني وبين العدو قط، حتى توفي".
وكان عمر رضي الله عنه يحبه، ويداعبه، ولما مات عمر أوصى أن يصلي عليه صهيب، وأن يصلي بالناس، حتى يجتمع الناس على إمام بعده، ومات صهيب بالمدينة، ودفن بالبقيع، في شوال سنة ثمان وثلاثين، وهو ابن سبعين سنة على المشهور.