وفي الرواية الخامسة "ثم يتخلف من بعدهم خلف، تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته" قال النووي: هكذا هو في معظم النسخ "يتخلف" وفي بعضها "يخلف" بحذف التاء، وكلاهما صحيح، أي يجيء بعدهم خلف - بإسكان اللام، هكذا الرواية، والمراد خلف سوء، قال أهل اللغة: الخلف ما صار عوضا عن غيره، ويستعمل فيمن خلف بخير أو شر، لكن يقال في الخير بفتح اللام وإسكانها، لغتان، الفتح أشهر وأجود، وفي الشر بإسكانها عند الجمهور، وحكي أيضا فتحها. اهـ.
وفي الرواية السادسة "يشهدون قبل أن يستشهدوا" وفي الرواية السابعة "يشهدون ولا يستشهدون" قال النووي: هذا الحديث في ظاهره مخالف للحديث الآخر "خير الشهود، الذي يأتي بالشهادة قبل أن يسألها": قال العلماء: الجمع بينهما أن الذم في ذلك لمن بادر بالشهادة في حق الآدمي، هو عالم بها، قبل أن يسألها صاحبها، وأما المدح فهو لمن كانت عنده شهادة لآدمي، ولا يعلم بها صاحبها، فيخبره بها ليستشهد به عند القاضي إن أراد، أو يموت صاحبها العالم بها، ويخلف ورثة، لا يعلمون بها، فيأتي الشاهد إليهم أو إلى من يتحدث عنهم، فيعلمهم بذلك، ويلتحق به من كانت عنده شهادة حسبة، وهي الشهادة بحقوق الله تعالى، أو فيه شائبة من حق الله تعالى كالعتق، والوقف والوصية العامة والعدة والطلاق ونحو ذلك، فيأتي القاضي، فيشهد بها، وهذا ممدوح، إلا إذا كانت الشهادة بحد، ورأى المصلحة في الستر. قال: وهذا الذي ذكرناه من الجمع بين الحديثين هو مذهب أصحابنا ومالك وجماهير العلماء، وهو الصواب، وقيل في الجمع أقوال أخرى ضعيفة منها:
١ - قول من قال بالذم مطلقا، ونابذ حديث المدح.
٢ - وقول من حمل الذم على شهادة الزور، (وأجاز أداء الشهادة قبل السؤال في غير ذلك).
٣ - وقول من حمل الذم على الشهادة بالحدود (وأجاز أداء الشهادة قبل السؤال في غير ذلك).
قال: وكلها فاسدة. اهـ.
وجنح ابن عبد البر إلى ترجيح حديث المدح "خير الشهداء الذي يأتي بالشهادة قبل أن يسألها" لكونه من رواية أهل المدينة، رواية زيد بن خالد، فقدمه على رواية أهل العراق، وبالغ فزعم أن حديث عمران هذا لا أصل له.
وجنح غيره إلى ترجيح حديث عمران، لاتفاق صاحبي الصحيح عليه، وانفراد مسلم بإخراج حديث زيد بن خالد، فقال بالذم مطلقا.
ومن العلماء من حمل حديث المدح على الكناية والمبالغة في الإجابة إلى الأداء، فيكون لشدة استعداده لها كالذي أداها قبل أن يسألها، كما يقال في وصف الجواد: إنه ليعطي قبل الطلب، أي يعطي سريعا عقب السؤال من غير توقف ولا تردد.
(كانوا ينهوننا - ونحن غلمان - عن العهد والشهادات) عن الجمع بين اليمين والشهادة، وقيل: المراد النهي عن قوله: على عهد الله، أو أشهد بالله، والقائل هو إبراهيم النخعي، وفي