ثالثها: من رآه وهو كافر، ثم أسلم بعد موته منهم. قال الحافظ ابن حجر: إن كان قوله: "من المسلمين. حالا خرج من هذه صفته، وهو المعتمد.
رابعها: يدخل في هذا التعريف من صحبه أو رآه مسلما، ثم ارتد بعد ذلك، ولم يعد إلى الإسلام، فإنه ليس صحابيا اتفاقا، فينبغي أن يزاد فيه "ومات على ذلك" أما لو ارتد ثم عاد إلى الإسلام، لكن لم يره ثانيا بعد عوده فالصحيح أنه معدود في الصحابة، لإطباق المحدثين على عد الأشعث بن قيس ونحوه، ممن وقع له ذلك في الصحابة، وإخراجهم أحاديثهم في المسانيد.
خامسها: أدخل بعضهم في هذا التعريف من رآه بعد موته، وقبل دفنه، قال الحافظ ابن حجر: والراجح أنه ليس بصحابي، وإلا لعد من اتفق له من يرى جسده المكرم وهو في قبره المعظم صحابيا، ولو في هذه الأعصار، وكذلك من كشف له عنه من الأولياء، فرآه كذلك على طريق الكرامة، إذ حجة من أثبت الصحبة لمن رآه قبل دفنه أنه مستمر الحياة، وهذه الحياة ليست دنيوية، وإنما هي أخروية، لا تتعلق بها أحكام الدنيا، فإن الشهداء أحياء، ومع ذلك فإن الأحكام المتعلقة بهم بعد القتل جارية على أحكام غيرهم من الموتى.
أما من رآه في المنام - وإن كان قد رآه حقا - فذلك مما يرجع إلى الأمور المعنوية، لا الأحكام الدنيوية، فلذلك لا يعد صحابيا، ولا يجب عليه العمل بما أمره به في تلك الحالة.
ويقابل هذا التعريف تعريف يعني بالأهلية لهذا اللقب، فيحمل الصحبة على ما هو متعارف، فلا يعد في الصحابة إلا من صحب صحبة عرفية، وكان مسلما بالغا، ومات على الإسلام، وقد روي عن سعيد بن المسيب أنه كان لا يعد في الصحابة إلا من أقام مع النبي صلى الله عليه وسلم سنة فصاعدا، أو غزا معه غزوة فصاعدا، ولا يدخل في الصحابة من له رؤية لكن فارق عن قرب. وقد جاء عن أنس أنه سئل: هل بقي من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحد غيرك؟ قال: لا. مع أنه كان في ذلك الوقت عدد كثير ممن لقيه من الأعراب.
ومع أن الحافظ ابن حجر يقول: والذي جزم به البخاري هو قول أحمد والجمهور من المحدثين، ويقول عن القول الآخر: وهو مردود.
والعمل على خلاف هذا القول، فإني أميل إلى هذا القول من حيث الحكمة في منح هذا اللقب، واستحقاق هذه الفضائل، واعتمادا على النصوص الكثيرة المشهورة وفي سبيل ذلك أضع الحقائق التالية:
أولا: لا خلاف في أن مجرد رؤيته صلى الله عليه وسلم من مسلم، ولو من طفل صغير ميزة وفضيلة لا تنكر لحصول بركة اللقاء، وكذلك من رآه مسلما بالغا لحظات قليلة، لكنها لا يصدق عليها أنها صحبة، لا لغة، ولا عرفا، فلم يقل أحد إن رؤية من في السوق والمارة في الشوارع تثبت الصحبة، ذات الآثار الشرعية والعرفية.
ثانيا: النصوص تعلل فضائل الصحابة بعلة لا يتحلى بها، إلا الصاحب اللغوي والعرفي، وسيأتينا حديث "لا تسبوا أصحابي. فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم، ولا نصيفه". وقد سبق حديث "لعل الله اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم".