للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عهدا بسفر صالح. فاستغفر لي. قال: استغفر لي. قال: أنت أحدث عهدا بسفر صالح. فاستغفر لي. قال: لقيت عمر؟ قال: نعم. فاستغفر له. ففطن له الناس. فانطلق على وجهه. قال أسير: وكسوته بردة. فكان كلما رآه إنسان قال: من أين لأويس هذه البردة؟

-[المعنى العام]-

إذا كان خير القرون قرنه صلى الله عليه وسلم وصحابته فمن حيث المجموع الكلي، وهذا لا يمنع أن يوجد فرد أو أفراد فيمن بعد الصحابة هم أفضل عند الله وأقرب من بعض الصحابة، وكيف لا والله تعالى يقول: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} [الحجرات: ١٣]؟ وكيف لا وموسى عليه السلام أمر أن يتعلم على يد رجل مغمور، وعبد من عباد الله، آتاه الله رحمة من عنده، وعلمه من لدنه علما؟ وكيف لا ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعمر الفاروق، الذي أعز الله به الإسلام، والذي إذا رآه الشيطان سالكا فجا سلك فجا غيره، يقول له: إن في التابعين رجلا، تحرص على أن يستغفر لك، أنت يا عمر في حاجة إلى استغفاره لك، إذا لقيته فاطلب منه أن يدعو لك بالمغفرة .. إن اسمه أويس القرني، ستجده رث الثياب، لا يأبه له الناس ولا يهتمون به، إنه من أهل اليمن، إنه يكون به برص، فيدعو الله، فيبرأ منه إلا ما يعدل حجم الدرهم، إنه سيكون له أم يبرها، إنه سيأتيك فيمن يأتيك مجاهدا من أهل اليمن، فاطلب منه أن يستغفر لك، وأخذ عمر بعد أن استخلف يسأل وفود اليمن عن أويس، حتى وجده، فنفذ وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم.

-[المباحث العربية]-

(عن أسير بن جابر) بضم الهمزة وفتح السين، ويقال: أسير بن عمرو.

(وفيهم رجل ممن كان يسخر بأويس) فائدة ذكر هذا الرجل هنا ليعلم قيمة أويس عند عمر.

والمعنى: وجاء أويس في الوفد مع من يسخر منه، ويحتمل أن أويسا لم يأت مع هذا الوفد، وسأل عنه عمر، وقال عنه ما قال، ليراجع الرجل الذي يسخر منه، ليراجع نفسه، ومعنى "يسخر منه" أي يحتقره، ويستهزئ به، وهذا دليل على أنه كان يخفي حاله وصلاحه، ويكتم السر الذي بينه وبين ربه عز وجل، ولا يظهر منه شيء يدل على ذلك، وهذا طريق العارفين وخواص الأولياء، رضي الله عنهم.

(فقال عمر: هل ها هنا أحد من القرنيين) أي من بني قرن، بفتح القاف والراء، وهي بطن من مراد، وهو قرن بن ردمان بن ناجية بن مراد. هذا هو الصواب، وفي صحاح الجوهري أنه منسوب إلى قرن المنازل، الجبل المعروف، ميقات الإحرام لأهل نجد، قال النووي: وهذا غلط فاحش.

(فجاء ذلك الرجل) الظاهر أنه الرجل الذي يسخر بأويس، وكأن عمر كان قد علم أنه يسخر منه، فقال ذلك ليرجع الرجل عن الاستهزاء به، ولعله أيضا من القرنيين.

<<  <  ج: ص:  >  >>