وتصحيح الروايات جميعا بأن تكون المطموسة والممسوحة والتي ليست بجحراء ولا ناتئة هي العوراء الطافئة بالهمز [أي الذاهب ضوؤها] وهي العين اليمنى، كما جاء هنا، وتكون الجاحظة، والتي كأنها كوكب، وكأنها نخاعة، هي الطافية، بغير همز. وهي العين اليسرى، كما جاء في الرواية الأخرى، وكل منهما عوراء، فإن الأعور من كل شيء المعيب، لا سيما ما يختص بالعين، وكلتا عيني الدجال معيبة عوراء إحداهما بذهابها والأخرى بعيبها.
هذا آخر كلام القاضي، وهو في نهاية من الحسن. والله أعلم.
ولتوضيح مقدمة الرواية السادسة عشرة أي قوله صلى الله عليه وسلم "إن الله تبارك وتعالى ليس بأعور، ألا إن المسيح الدجال أعور عين اليمنى" قال النووي: معناه أن الله تعالى منزه عن سمات الحدث وعن جميع النقائص. وأن الدجال مخلوق من خلق الله تعالى، ناقص الصورة، [فلا تغتروا بجنته وناره] فينبغي لكم أن تعلموا هذا، وتعلموه للناس، لئلا يغتر بالدجال من يرى تخييلاته وما معه من الفتنة. والله أعلم.
٧ - ومن الآيات الكبرى رؤيته صلى الله عليه وسلم سدرة المنتهى، والرواية الأولى تشبه ورقها بآذان الفيلة، وثمرها بالقلال، وتبهم وتفخم ما يغشاها من أمر الله "حتى إن أحدا من خلق الله لا يستطيع أن ينعتها لحسنها، والرواية المتممة للعشرين تفسر مبهم الرواية الأولى بأنه يغشاها فراش من ذهب.
ولما كانت الرواية العشرون تصرح بأنها في السماء السادسة، والرواية الأولى ظاهرها أنها في السماء السابعة كان في هذا تعارض لا شك فيه، قال القرطبي في المفهم: وحديث أنس [الرواية الأولى] هو قول الأكثر وهو الذي يقتضيه وصفها بأنها التي ينتهي إليها علم كل نبي مرسل وكل ملك مقرب على ما قال كعب، قال: وما خلفها غيب لا يعلمه إلا الله أو من أعلمه. ثم قال القرطبي: ويترجح حديث أنس بأنه مرفوع، وحديث ابن مسعود موقوف.
وقال الحافظ ابن حجر جامعا بين الروايتين: لا يعارض قوله: إنها في السادسة الرواية بأنها في السابعة، لأنه يحمل على أن أصلها في السماء السادسة، وأغصانها وفروعها في السماء السابعة، وليس في السادسة منها إلا أصل ساقها. والله أعلم.
٨ - ومن الآيات الكبرى رؤيته صلى الله عليه وسلم الأنبياء عليهم السلام، وفيها - غير ما ورد في رواياتنا - ما جاء عند البيهقي في حديث أبي سعيد "فدخلت أنا وجبريل بيت المقدس فعرفت النبيين من بين قائم وراكع وساجد، فصلى كل واحد منا ركعتين، ثم أقيمت الصلاة فأممتهم، وعند أبي حاتم "فلم ألبث إلا يسيرا حتى اجتمع ناس كثير، ثم أذن مؤذن، فأقيمت الصلاة" فقمنا صفوفا، ننتظر من يؤمنا، فأخذ بيدي جبريل، فقدمني، فصليت بهم".
وقد اختلف في حال الأنبياء عند لقاء النبي صلى الله عليه وسلم إياهم هل أسري بأجسادهم لملاقاة النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة؟ أو أن أرواحهم شكلت بشكل أجسادهم، فالتقت به وأجسادهم في قبورها؟