ثم قيل في وجه الترتيب الذكري للثلاث الأول: إن الإيمان أصل العبادات، فتعين تقديمه، ثم الصلاة لأنها عماد الدين، ثم الزكاة لأنها قرينة الصلاة في القرآن الكريم.
فإن قيل: الأربعة المذكورة مبنية على الشهادتين، إذ لا يصح شيء منها إلا بعد وجودهما، فكيف يضم مبني إلى مبني عليه في مسمى واحد؟ أجيب بجواز ابتناء أمر على أمر آخر، ودخولهما في مسمى واحد، فمثلا: البيت المبني من خمسة طوابق فإنه لا يصح وجود شيء من الأربعة العلوية إلا بعد وجود الطابق الأول، ومع ذلك يضم إليها في مسمى البيت.
فإن قيل: الإسلام هو الشهادتان فقط، لأنه يحكم بإسلام من تلفظ بهما، فلم ذكر الأربعة بعدهما؟ .
أجيب بأن مقصود الحديث بيان كمال الإسلام وتمامه، وهو لا يكون بدون هذه الأمور، فهي أظهر شعائره وأعظمها، وتركها يشعر بانحلال الانقياد واختلاله.
أما قتل تارك الصلاة عند الشافعي وأحمد فهو قتل حد، لا قتل كفر، وقوله صلى الله عليه وسلم "من ترك صلاة متعمدا فقد كفر" محمول على الزجر والوعيد، أو مؤول بما إذا تركها مستحلا، أو المراد كفران النعمة.
فإن قيل: حينئذ يقتضي ظاهر الحديث حصول الإسلام الكامل لمن أتى بهذه الخمس ولو مرة واحدة، أو داوم عليها ولم يأت بغيرها من الواجبات كصلة الرحم وبر الوالدين ونحوهما.
فالجواب أن هناك أدلة مفصلة لما ذكر هنا إجمالا، كحديث بعث معاذ إلى اليمن، المفيد تكرار ما يجب تكراره، وكالأحاديث المحددة للواجبات الأخرى، والحديث كما ذكرنا أتى بالأركان المهمة وبأبرز الشعائر، ووجه الاكتفاء بهذه الخمس أن العبادة إما قولية أو غير قولية، الأول الشهادة. والثاني إما تركي أو فعلي، الأول الصوم، والثاني إما بدني أو مالي أو مركب منهما. الأول الصلاة، والثاني الزكاة، والثالث الحج.
ولم يذكر الجهاد في أركان الإسلام لأنه فرض كفاية، ولا يتعين إلا في بعض الأحوال ولهذا أجاب ابن عمر بهذا الحديث عن سؤاله عن سبب عدم قيامه بالغزو في الرواية الرابعة.
على أنه جاء في بعض الروايات "وإن الجهاد من العمل الحسن".
وزعم ابن بطال أن هذا الحديث قيل قبل فرض الجهاد، قال الحافظ ابن حجر: وهو خطأ لأن فرض الجهاد كان قبل بدر، وبدر كانت في رمضان في السنة الثانية، وفيها فرض الصيام، وفرضت الزكاة بعد ذلك، وفرض الحج في السنة السادسة أو التاسعة كما سبق.