للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أحدهما: أن الروايتين قد ثبتتا في الصحيح، وهما صحيحتان في المعنى لا تنافي بينهما كما قدمنا إيضاحه، فلا يجوز إبطال إحداهما.

الثاني: أن فتح باب احتمال التقديم والتأخير في مثل هذا قدح في الرواة والروايات، فإنه لو فتح ذلك لم يبق لنا وثوق بشيء من الروايات إلا القليل، ولا يخفى بطلان هذا وما يترتب عليه من المفاسد، ثم يقول عن رواية الإسفراييني: إنها محتملة الصحة، وتكون القضية قد جرت مرتين برجلين نبه أحدهما لصحة تقديم الصوم، وطلب من الثاني تأخيره.

والمنصف يرى أن عنف مهاجمة النووي لابن الصلاح لا محل له، فإن ابن الصلاح لم يبطل روايات الصحيح، وإنما حمل إحداها على اللفظ المسموع والأخرى على المعنى. وهذه الطريقة في الجمع بين الأحاديث مقبولة وحسنة، ولا تقدح في صحة المروي بالمعنى باعتراف النووي نفسه في شرحه لمقدمة مسلم.

وإذا كان الإمام مالك قد منع نقل الحديث بالمعنى، فإنما منعه خوف أن يفعله من يجهل التغيير الذي يحيل المعنى، وليحرض المحدثين على التحري والدقة عملا بقوله صلى الله عليه وسلم" نضر الله امرأ سمع مقالتي فأداها كما سمعها".

وقد سبق القول بأن جمهور السلف والخلف من أصحاب الحديث والفقه والأصول يجوز رواية الحديث بالمعنى إذا جزم الراوي بأنه أدى المعنى، قال النووي: وهذا هو الصواب الذي تقتضيه أحوال الصحابة، فمن بعدهم رضي الله عنهم، في روايتهم القصة الواحدة بألفاظ مختلفة. اهـ.

وفي نهاية المطاف نرى أنفسنا مضطرين إلى الأخذ برأي ابن الصلاح في أن بعض الروايات هنا بالمعنى، ليس في تقديم الصوم وتأخيره فحسب، بل في كثير من الألفاظ الأخرى في الحديث.

ففي الرواية الأولى "على أن يوحد الله" وفي الثانية "على أن يعبد الله ويكفر بما دونه" وفي الرابعة "شهادة أن لا إله إلا الله" وفي الثالثة "شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله".

وفي الرواية الأولى "بني الإسلام على خمسة" وفي الثانية والثالثة "بني الإسلام على خمس" وفي الرابعة "إن الإسلام بني على خمس".

فهل نلتزم في كل هذا الاختلاف طريق النووي؟ فنقول: إن ابن عمر سمعها كلها من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن احتمال التقديم والتأخير يقدح في الرواية ويحول دون الوثوق بشيء من الروايات؟ أو نقول كما قال ابن الصلاح: إن البعض محمول على اللفظ المسموع والبعض محمول على المعنى؟ .

على أن الحافظ ابن حجر ضعف الاحتمالين اللذين اختارهما النووي، وأن ابن عمر سمع الحديث مرتين بعبارتين فقال: قد وقع عند البخاري في التفسير بتقديم الصيام على الزكاة. أفيقال: إن الصحابي سمعه على ثلاثة أوجه؟ هذا مستبعد، وقال عن الاحتمال الثاني: إن تطرق النسيان إلى الراوي عن الصحابي أولى من تطرقه إلى الصحابي، فتنويع ألفاظ الحديث دال على أنه روي بالمعنى. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>