وعند أحمد "يا أيها الناس اتقوا الظلم ... " وفي رواية "إياكم والظلم" وفي رواية "أظلم الناس من ظلم لغيره"
(واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم) قيل الشح أشد البخل وأبلغ في المنع من البخل وقيل هو البخل مع الحرص وقيل البخل في أفراد الأمور والشح بالمال والمعروف فهو أعم وقيل الشح الحرص على ما ليس عنده والبخل على ما عنده والأول أكثر استعمالا قال تعالى {سلقوكم بألسنة حداد أشحة على الخير}[الأحزاب ١٩]
قال القاضي يحتمل أن هذا الهلاك دنيوي بسفكهم دماءهم ويحتمل أنه هلاك الآخرة وهذا الثاني أظهر ويحتمل أنه أهلكهم في الدنيا والآخرة اهـ أقول وهذا الأخير هو الأظهر فإن سفك الدماء هلاك في الدنيا والآخرة
ومناسبة التحذير من الشح بعد التحذير من الظلم أن الشح نوع من الظلم فهو من قبيل ذكر الخاص بعد العام لمزيد عناية بالخاص والشح غالبا دافع الظلم فكلاهما ينشأ عن حب الذات وحب السيطرة وحب التملك والشحيح ظالم لنفسه وظالم لغيره ظالم لنفسه ومجهدها ومتعبها بالإفراط في الحرص وموبقها ومهلكها يوم القيامة ظالم لنفسه ببعثه الحقد والحسد والبغض في نفوس الآخرين حتى يصبح منبوذا في مجتمعه وظالم لغيره بمنعه حق الغير في ماله وفي صحته وصنعته ففي كل عضو من أعضاء الإنسان صدقة يومية يعين أخاه ويحمل له أو يعمل ويتصدق أو يصنع لأخرق
(حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم) هذه الجملة بيانية مستأنفة استئنافا بيانيا أو تعليليا فهي في جواب سؤال نشأ عن الجملة الأولى إن قدرناه كيف أهلكهم فهو بياني وإن قدرناه لم أهلكهم كان تعليليا والأول أوضح وضمير "حملهم" وفي "استحلوا" غير الضمير في "دماءهم" و "محارمهم" أي حمل بعضهم على سفك دماء بعض واستحل بعضهم محارم بعض ويحتمل المجاز فسفك الإنسان لدم أخيه كأنه سفك لدم نفسه واستحلاله لمحارم أخيه كأنه استحلال لمحارم نفسه
والمحارم جمع محرم بفتح الميم وسكون الحاء وهو صاحب الحرمة من النساء والرجال أي الذي يحرم التزوج به لرحمه وقرابته ويطلق على كل ما حرم الله
(المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه) سبق قبل أربعة أبواب بلفظ "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره"
(من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته) أي من صار معينا لأخيه كان الله في عونه
(ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة) قال