يقول الله تعالى على لسان موسى عليه السلام {واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون}[الأعراف ١٥٦]
ولا يشك مسلم في سعة رحمة الله ولا يشك مؤمن أن رحمة الله محيطة بالإنسان في كل لحظة من لحظاته من حين كونه نطفة ثم علقة ثم مضغة مخلقة وغير مخلقة ثم رضيعا ثم فطيما ثم ... ثم ... إلخ ولكن هذه المجموعة من الأحاديث تذكر من لا يتذكر {وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين}[الذاريات ٥٥] فتزيدهم إيمانا وثقة ويقينا وعبرة ودفعا إلى الخيرات والطاعات
بدأت هذه المجموعة بأن رحمة الله تعالى بعباده ثابتة ثبوت المكتوب في لوح لا تبديل فيه ولا تغيير عند مالك الملك وخالق الكون الذي إذا قال فعل والذي لا يتخلف عنده ما وعد وما كتب
وقد كتب فيما كتب إن رحمتي تغلب غضبي وتغطي عليه وتسبقه وهي كثيرة شاملة لم أنزل منها للخلائق في الأرض إلا جزءا واحدا من مائة جزء من هذا الجزء تتراحم المخلوقات الإنسان والحيوان والطير والهوام أما التسعة والتسعون جزءا فهي لي أرحم بها في الدنيا وأرحم بها في الآخرة بل وأضم إليها في الآخرة جزء المخلوقات فأرحم بالمائة جزء وأنا الرحمن الرحيم
ويؤكد رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا المعنى ويرسخه في نفوس أصحابه ليبعث في نفوسهم الرجاء بعد أن رآهم وقد غلب عليهم الخوف حين يرى امرأة من السبي حانية على أطفال غيرها تحتضنهم وتضمهم إلى صدرها وترضعهم من ثديها فيقول لهم انظروا إلى هذه المرأة هل ترونها وهي بهذه الرحمة تؤذي طفلا من الأطفال أو تحرقه بالنار قالوا لا قال هل ترون أنه لو كان ابنها هو الذي في أحضانها أتظنون أنها تلقي به في النار مهما كانت الأسباب قالوا لا والله ما تلقي به في النار باختيارها أبدا قال فإن الله أرحم بعباده من هذه المرأة بولدها
ويزيد صلى الله عليه وسلم هذه الجرعة السارة المبشرة يزيدها بشرى وسرورا فيحكي لهم قصة رجل كان قبلنا في بني إسرائيل كان نباشا ينبش القبور عقب دفن الموتى فيسرق الأكفان وما يستطيع أن يسرقه من الميت وكم انتهك الحرمات واعتدى على الأموات مع أن الله كان قد آتاه مالا وولدا ونعمة ومتعا لكن نفسه الأمارة بالسوء حالت بينه وبين فعل الخير أي خير لم يقدم في حياته إلا الشر وجاءه الموت ووهن منه العظم وتحشرج النفس وتجمع حوله أولاده ومرت على خاطره أعماله الشريرة التي مارسها في حياته [كفيلم سينمائي أو كشريط تليفزيوني] وهو يعلم أن الحساب قريب وهو مقدم عليه إنه فعل من الشر ما لم يفعله أحد فقال لأبنائه إن الله سيعذبني عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين ولعله كان جاهلا بالبعث وإن كان مؤمنا بوقوعه ظن أنه إن تحول إلى