قال المازري ذهب أهل السنة إلى أن إثابة الله تعالى من أطاعه بفضل منه وكذلك انتقامه ممن عصاه بعدل منه ولا يثبت واحد منهما إلا بالسمع وله سبحانه وتعالى أن يعذب الطائع وينعم العاصي ولكنه أخبر أنه لا يفعل ذلك وخبره صدق لا خلف فيه وهذا الحديث يقوي مقالتهم ويرد على المعتزلة حيث أثبتوا بعقولهم أعواض الأعمال ولهم في ذلك خبط كثير اهـ
وقال النووي اعلم أن مذهب أهل السنة أنه لا يثبت بالعقل ثواب ولا عقاب ولا إيجاب ولا تحريم ولا غيرهما من أنواع التكليف ولا تثبت هذه كلها ولا غيرها إلا بالشرع ومذهب أهل السنة أيضا أن الله تعالى لا يجب عليه شيء تعالى الله بل العالم كله ملكه والدنيا والآخرة في سلطانه يفعل فيهما ما يشاء
وأما المعتزلة فيثبتون الأحكام بالعقل ويوجبون ثواب الأعمال ويوجبون الأصلح ويمنعون خلاف هذا اهـ
وقد استشكل على الحديث بقوله تعالى {وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون}[الزخرف ٧٢] وجمع ابن بطال بما محصله تحمل الآية على أن الجنة تنال المنازل فيها بالأعمال فإن درجات الجنة متفاوتة بحسب تفاوت الأعمال وأن يحمل الحديث على دخول الجنة والخلود فيها وأورد على هذا الجواب قوله تعالى {سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون}[النحل ٣٢] إذ ظاهره أن دخول الجنة أيضا بالأعمال وأجاب بأن في الكلام مضافا محذوفا والتقدير ادخلوا منازل الجنة بما كنتم تعملون وليس المراد بذلك أصل دخول الجنة ثم قال ويجوز أن يكون الحديث مفسرا للآية والتقدير ادخلوها بما كنتم تعملون مع رحمة الله لكم وتفضله عليكم لأن اقتسام منازل الجنة برحمته وأصل دخول الجنة هو برحمته حيث ألهم العاملين ما نالوا به ذلك ولا يخلو شيء من مجازاته لعباده من رحمته وفضله وقد تفضل عليهم ابتداء بإيجادهم ثم برزقهم ثم بتعليمهم اهـ
وقال ابن الجوزي يتحصل من أوجه الجمع أربعة أجوبة
الأول أن التوفيق للعمل من رحمة الله ولولا رحمة الله السابقة ما حصل الإيمان ولا الطاعة التي يحصل بها النجاة [أي الرحمة أساس التوفيق للعمل والعمل أساس دخول الجنة فالرحمة أساس دخول الجنة لأن أساس الأساس لشيء أساس لذلك الشيء أو سبب سبب الشيء سبب لذلك الشيء]
الثاني أن منافع العبد لسيده فعمله مستحق لمولاه فمهما أنعم عليه من الجزاء فهو من فضله [معنى ذلك أن الرحمة هي السبب الحقيقي وأن العمل سبب شكلي ظاهري لا يستحق شيئا فأسند للسبب الحقيقي في الحديث وأسند للسبب الشكلي في الآية]