١١ - ومن الرواية الثانية إلى آخر الروايات عذاب القبر قال النووي اعلم أن مذهب أهل السنة إثبات عذاب القبر وقد تظاهرت عليه دلائل الكتاب والسنة قال الله تعالى {النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا ءال فرعون أشد العذاب}[غافر ٤٦] وتظاهرت به الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم من رواية جماعة من الصحابة في مواطن كثيرة ولا يمتنع في العقل أن يعيد الله تعالى الحياة في جزء من الجسد ويعذبه وإذا لم يمنعه العقل وورد به الشرع وجب قبوله واعتقاده وقد ذكر مسلم هنا أحاديث كثيرة في إثبات عذاب القبر وسماع النبي صلى الله عليه وسلم صوت من يعذب فيه وسماع الموتى قرع نعال دافنيهم وكلامه صلى الله عليه وسلم لأهل القليب وقوله "ما أنتم بأسمع منهم" وسؤال الملكين الميت وإقعادهما إياه وجوابه لهما والفسح له في قبره وعرض مقعده عليه بالغداة والعشي وسبق شرح هذا في كتاب الصلاة وكتاب الجنائز والمقصود هنا إثبات عذاب القبر كما ذكرنا خلافا للخوارج ومعظم المعتزلة وبعض المرجئة فقد نفوا ذلك
ثم المعذب عند أهل السنة الجسد بعينه أو بعضه بعد إعادة الروح إليه أو إلى جزء منه وخالف فيه محمد بن جرير وعبد الله بن كرام وطائفة فقالوا لا يشترط إعادة الروح قال أصحابنا هذا فاسد لأن الألم والإحساس إنما يكون في الحي قال أصحابنا ولا يمنع من ذلك كون الميت قد تفرقت أجزاؤه كما تشاهد في العادة أو أكلته السباع أو حيتان البحر أو نحو ذلك فكما أن الله تعالى يعيده للحشر وهو سبحانه وتعالى قادر على ذلك فكذا يعيد الحياة إلى جزء منه أو أجزاء فإن قيل فنحن نشاهد الميت على حاله في قبره فكيف يسأل ويقعد ويضرب بمطارق من حديد ولا يظهر له أثر فالجواب أن ذلك غير ممتنع بل له نظير في العادة وهو النائم فإنه يجد لذة وآلاما لا نحس نحن شيئا منها وكذا يجد اليقظان لذة وألما لما يسمعه أو يفكر فيه ولا يشاهد ذلك جالسوه منه وكذا كان جبريل يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيخبره بالوحي الكريم ولا يدركه الحاضرون وكل هذا ظاهر جلي قال أصحابنا أما إقعاده المذكور في الحديث فيحتمل أن يكون خاصا بالمقبور دون المنبوذ ومن أكلته السباع والحيتان وأما ضربه بالمطارق فلا يمتنع أن يوسع له في قبره فيقعد ويضرب والله أعلم اهـ
والذي تستريح إليه النفس أن كل ما يتعلق بالقبر أمر غيبي ونصوصه كلها تقبل التأويل فضلا عن أن أكثرها أحاديث آحاد فمن شاء فليؤمن بها على ظاهرها وله أجر ومن أنكرها لم يخرج من الملة ولم يخالف إجماعا