أما النوع الثالث وهو الشفاعة في قوم حوسبوا، فاستحقوا العذاب ألا يعذبوا: فإن دليله قوله صلى الله عليه وسلم "ونبيكم على الصراط يقول: رب سلم سلم".
وهذه الشفاعة ليست خاصة به صلى الله عليه وسلم فقد سبق في شرح الحديث الماضي أن الأنبياء كذلك يقفون على الصراط يقولون "يا رب سلم سلم".
وهذا النوع ينكره المعتزلة والخوارج، لأن مستحق العذاب عندهم لا بد أن يعذب.
وأما النوع الرابع وهو الشفاعة فيمن دخل النار أن يخرج منها: فإن دليله ما جاء في الرواية الأولى، والثانية، والثالثة من شفاعته صلى الله عليه وسلم في المذنبين، وإخراجه من النار من كان في قلبه مثقال حبة من برة أو شعيرة من إيمان، ثم من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان، ثم من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى من مثقال حبة من خردل من إيمان.
وما جاء في الحديث الذي سبق شرحه من شفاعة المؤمنين لإخوانهم الذين دخلوا النار، فيخرجون خلقا كثيرا قد عادوا حمما فيلقيهم الله في نهر الحياة .. إلخ.
وهذا النوع من الشفاعة ليس خاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم وتنكره الخوارج والمعتزلة أشد الإنكار، وتمسكوا بقوله تعالى: {فما تنفعهم شفاعة الشافعين} [المدثر: ٤٨] وأجاب أهل السنة بأنها في الكفار، وخصوصا أن الأحاديث في إثبات الشفاعة المحمدية متواترة، قاله في الفتح.
وأما النوع الخامس فهو الشفاعة في رفع الدرجات: بأن يشفع لمن لم يبلغ عمله درجة عالية أن يبلغها بشفاعته، وقد أشار النووي في الروضة إلى أن هذه الشفاعة من خصائصه صلى الله عليه وسلم، لكن الظاهر أنه يشاركه فيها صالحو المؤمنين، وإلى ذلك يشير قوله تعالى: {والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء} [الطور: ٢١] قاله كثير من المفسرين.
قال القاضي عياض: أثبتت المعتزلة الشفاعة العامة في الإراحة من كرب الموقف، والشفاعة في رفع الدرجات، وأنكرت ما عداهما. اهـ.
أما شفاعته صلى الله عليه وسلم في دخول أمته الجنة قبل الناس: فلها شواهد كثيرة، ففي الرواية السابعة "أنا أول الناس يشفع في الجنة" وفي الثامنة "أنا أول من يقرع باب الجنة" وفي العاشرة "آتي باب الجنة يوم القيامة، فأستفتح، فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول: محمد. فيقول: بك أمرت. لا أفتح لأحد قبلك" وعن الترمذي "فآخذ حلقة باب الجنة، فأقعقعها، فيقال: من هذا؟ فأقول: محمد، فيفتحون لي، ويرحبون، فأخر ساجدا".
نعم أخرج أحمد والنسائي والحاكم، قال: "يشفع نبيكم رابع أربعة جبريل، ثم إبراهيم ثم موسى أو عيسى، ثم نبيكم" لكنه مردود إذ لم يصرح برفعه، وقد ضعفه البخاري، وقال: المشهور قوله صلى الله عليه وسلم "أنا أول شافع" والله أعلم.