وهتف بأعلى صوته: يا صباحاه. يا صباحاه. يا صباحاه، يا معشر قريش يا بني فهر، فاجتمعوا، يا بني لؤي، فأجاب بنو الأروم بن غالب، يا آل كعب، يا آل كلاب، يا آل قصي، يا آل عبد مناف، يا بني هاشم، يا بني المطلب، فاجتمعوا، وجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا لينظر ما هو، قال له أبو لهب: هؤلاء عبد مناف عندك. ماذا تريد منهم؟ فقال: أخبروني. لو أنبأتكم أن عدوا لكم جاء بخيله خلف هذا الوادي، يريد أن يغير عليكم، أكنتم مصدقي؟ قالوا: نعم. فوالله ماجربنا عليك كذبا، وإنك عندنا لصدوق. قال: فإني رسول الله إليكم بين يدي عذاب شديد، يا معشر قريش أنقذوا أنفسكم من النار بالإيمان. يا بني مرة: اشتروا أنفسكم من الله بالإسلام، يا بني عبد شمس؛ أنقذوا أنفسكم من النار بالإسلام، يا بني عبد مناف، أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني هاشم، أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد المطلب، أنقذوا أنفسكم من النار، فإني لا أغني عنكم من الله شيئا، يا عباس بن عبد المطلب، أنقذ نفسك، فإني لا أغني عنك من الله شيئا، يا صفية عمة رسول الله، أنقذي نفسك، فإني لا أغني عنك من الله شيئا، يا فاطمة بنت محمد، أنقذي نفسك، فإني لا أغني عنك من الله شيئا، سليني من مالي ما شئت، فقد أنفعك، لكن لا تتكلي علي فإني لا أملك لك من الله شيئا إن لم تؤمني.
فقال أبو لهب: تبا وخسرانا وهلاكا لك يامحمد. ألهذا جمعتنا؟ ألهذا القول الساحر دعوتنا؟ وأخذ حجرا يريد أن يرمي به محمدا صلى الله عليه وسلم، وهاج الناس وماجوا، وأخذ يناقش بعضهم بعضا، ونزل صلى الله عليه وسلم، فدافع الله عنه، وأجاب عنه أبا لهب بقوله جل شأنه:{تبت يدا أبي لهب وتب* ما أغنى عنه ماله وما كسب* سيصلى نارا ذات لهب}[المسد: ١ - ٣] وحقق الله وعده فهلك أبو لهب حسرة وكمدا حين هزمت قريش في غزوة بدر، وأتم الله نوره رغم أنف الكافرين.
-[المباحث العربية]-
{وأنذر عشيرتك الأقربين} أي ذوي القرابة القريبة، والعشيرة رهط الرجل الأدنون، أو هم أهل الرجل الذي يتكثر بهم، أي يصيرون له بمنزلة العدد الكامل، وهو العشرة.
(دعا قريشا فاجتمعوا فعم وخص) يقال عمهم بكذا، أي شملهم، فالمعنى عم قريشا بالدعوة وشملها، فقال: يا معشر قريش، وخص بعض بطونها، فقال: يا بني كعب إلخ، فالفاء في قوله:"فعم" للتفصيل، مثلها في قولنا: توضأ فغسل وجهه إلخ، وقوله:"فاجتمعوا" مقدمة من تأخير، والتقدير: دعا قريشا بطريق التعميم والتخصيص فاجتمعوا.
(أنقذوا أنفسكم من النار) بالإيمان، وفي الرواية الثالثة "اشتروا أنفسكم من الله" أي باعتبار تخليصها من النار، كأنه قال: أسلموا تسلموا من العذاب، فكان ذلك كالشراء، كأنهم جعلوا الطاعة ثمن النجاة.