(غير أن لكم رحما سأبلها ببلالها) يقال: بل رحمه إذا وصلها، من باب كتب، والبلال بكسر الباء الماء، وروي بفتح الباء، والمعنى: غير أن لكم رحما سأصلها بوصلها الحق، شبهت قطيعة الرحم بالحرارة، ووصلها بإطفاء الحرارة بالبرودة.
(قام رسول الله على الصفا) الصفا الحجر الصلد الضخم لا ينبت، والصفا من مشاعر الحج، طرف جبل أبي قبيس، وفي الرواية الرابعة "انطلق نبي الله إلى رضمة من جبل، فعلا أعلاها حجرا، و"الرضمة" بفتح الراء وإسكان الضاد وفتحها، جمعها رضم ورضام، وهي صخور عظام بعضها فوق بعض. وقيل هي دون الهضاب: وقيل: الرضمة الحجارة المجتمعة ليست ثابتة في الأرض، كأنها منثورة، وقوله: "فعلا أعلاها حجرا" "حجرا" مفعول "علا" و"أعلاها" حال من "حجرا" وأصله صفة، فلما قدمت أعربت حالا، والتقدير: فعلا حجرا كائنا أعلاها.
(يا فاطمة بنت محمد) "بنت" و "ابن" فيها، وفي أمثالها منصوب لا غير، لأنه مضاف تابع للمنادى، و"فاطمة" و"صفية" و"عباس" يجوز ضمها ونصبها، والنصب أفصح وأشهر، وفي بعض الأصول "يا فاطم" بحذف الهاء على الترخيم، فيصح ضم الميم وفتحها.
(سلوني من مالي ما شئتم) أي فإني أعطيكم ما تسألون، ولكن لا تسألوني دفاعا عنكم عند الله إن لم تسلموا وتعملوا خيرا، وفي الرواية الثالثة "سليني بما شئت" و"سأل" تتعدى بنفسها وبعن وبالباء، ففي القاموس: سأله كذا وعن كذا وبكذا.
(قال: انطلق نبي الله) "قال" معناه: قالا، لأن المراد أن قبيصة وزهير قالا، ولكن لما كانا متفقين، وهما كالرجل الواحد أفرد فعليهما، ولو حذف لفظة "قال" كان الكلام واضحا منتظما، ولكن لما حصل في الكلام بعض الطول حسن إعادة "قال" للتأكيد، ومثله في القرآن العزيز {أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون}[المؤمنون: ٣٥] فأعاد لفظ "أنكم". ذكره النووي.
(يا بني عبد منافاه) هذا هو المسمى بالندبة في عرف النحاة وهي نوع من النداء، يزيد على النداء أن المنادى فيه متفجع عليه. ويلحق آخر المنادى والمندوب ألف يفتح ما قبلها، وإذا وقف عليه لحقه بعد الألف هاء السكت.
(فانطلق يربأ أهله) أي يحفظهم، ويحميهم، ويتطلع لهم و"يربأ" على وزن "يقرأ" والربئة بفتح الراء وكسر الباء وبالهمزة المفتوحة، هو العين والطليعة الذي ينظر للقوم؛ لئلا يدهمهم العدو، ولا يكون في الغالب إلا على جبل، أو شيء مرتفع، لينظر إلى أبعد.
(فجعل يهتف: يا صباحاه) "يهتف" يعني يصيح ويصرخ و"يا صباحاه" كلمة يعتادونها عند وقوع أمر عظيم، فيقولونها ليجتمعوا ويتأهبوا له، وهي منادى، مندوب وأصلها مضاف إلى ياء المتكلم "يا صباحي" فقلبت الياء ألفا في النداء، أو حذفت من أجل ألف الندبة، والهاء للسكت.