قال الحافظ ابن حجر: هذا الحديث من مراسيل الصحابة، لأن أبا هريرة إنما أسلم بالمدينة، وهذه القصة وقعت بمكة، لتصريحه في حديث الباب أنه صعد الصفا، ولأن ابن عباس كان حيئنذ إما لم يولد، وإما كان طفلا. اهـ.
كما أن عائشة لم يتجاوز سنها بمكة ثماني سنوات على أرجح الأقوال.
ويشكل على الحديث نداء فاطمة في الرواية الثانية والثالثة، وهي لم تكن بالغة بحيث تخاطب بالأحكام، ويمكن أن يجاب على هذا الإشكال بأن نداءها لم يكن لتكليفها بالأحكام، وإنما ليعلن لقريش أنه لا يملك لها شيئا عند الله إن لم تعمل لنفسها بعد بلوغها، وإن كان يملك أن يعطيها من ماله ما تسأل.
ووجه تخصيص عشيرته صلى الله عليه وسلم الأقربين بالإنذار مع عموم رسالته دفع توهم المحاباة، وأن الاهتمام بشأنهم أهم، وأن البداءة تكون بمن يلي، ثم من بعده. وقال الحافظ ابن حجر: والسر في الأمر بإنذار الأقربين أولا أن الحجة إذا قامت عليهم تعدت إلى غيرهم، وإلا فكانوا علة للأبعدين في الامتناع، وألا يأخذه ما يأخذ القريب من العطف والرأفة، فيحابيهم في الدعوة والتخويف، فلذلك نص له على إنذارهم. اهـ.
وأفرد صلى الله عليه وسلم فاطمة وصفية في الرواية الثانية، وعباس في الرواية الثالثة لشدة قرابتهم، ولشدة صلته بهم من بين قراباته، وفاطمة كانت أصغر أولاده، وللصغير زيادة محبة، فإذا انتفى نفعه لمن يحب من أقاربه، ومن يحرص على نفعه، انتفى عن غيره من باب أولى.
وقد جاء في الرواية الخامسة زيادة "ورهطك منهم المخلصين" قال الحافظ ابن حجر: وهذه الزيادة وصلها الطبري عن عمرو بن مرة أنه كان يقرؤها كذلك. قال القرطبي: لعل هذه الزيادة كانت قرآنا فنسخت تلاوتها، ثم استشكل ذلك بأن المراد إنذار الكفار، والمخلص صفة المؤمن، وأجيب عن ذلك: أنه لا يمتنع عطف الخاص على العام، فقوله:"وأنذر عشيرتك الأقربين" عام بمن آمن منهم ومن لم يؤمن، ثم عطف عليه الرهط المخلص تنويها بهم وتأكيدا.
واستدل بعض المالكية بقوله في الروايتين الثانية والثالثة "يا فاطمة بنت محمد -بنت رسول الله- ... لا أغني عنكم من الله شيئا، سلوني من مالي ما شئتم" على أن النيابة لا تدخل في أعمال البر، إذا لو جاز ذلك لتحمل صلى الله عليه وسلم عن فاطمة ما يخلصها، فإذا كان عمله لا يقع نيابة عن ابنته فغيره أولى بالمنع، ورد عليهم بأن هذا كان من قبل أن يعلمه تعالى بأن يشفع فيمن أراد، وتقبل شفاعته حتى يدخل الجنة قوما بغير حساب، ويرفع درجات قوم آخرين، ويخرج من النار من دخلها بذنوبه من المؤمنين، أو كان المقام مقام التخويف والتحذير، أو أنه أراد المبالغة في الحض على العمل، ويكون في قوله:"لا أغنى شيئا" إضمار: إلا أن يأذن الله لي بالشفاعة.